17 سبتمبر 2025
تسجيلكثيرا ما يستخدم الناس فى أحاديثهم والكتًاب فى كتاباتهم تعبير " دموع التماسيح " .. ومن المتعارف عليه أن هذا المصطلح يستخدم لوصف المشاعر الكاذبة تجاه شئ ما .. مثل أن يبدو على شخص أنه آسف لوضع ما وهو فى قرارة نفسه سعيد لذلك .. أو مثل إدعاء المنافق البكاء وهو غير حزين .. وما يتصوره الناس دموعا ليست فى الحقيقة دموع لأن عيون التماسيح - شأنها فى ذلك شأن الأسماك - لا يوجد بها غدد دمعية .. ويفسر بعض العلماء ذلك بأن ما يتصوره الناس دموعا ما هى إلا سوائل تنزل من عيونها عندما تفتح أفواهها على إطلاقها وتحاول إبتلاع فرائس أكبر من مقاييسها .. ولكن التفسير العلمى الأقرب للحقيقة والذى يكاد يجمع عليه الخبراء المتخصصون فى هذا المجال أن التماسيح تفتح أفواهها وتتجمع الطيور لإلتقاط بقايا اللحم من بين أسنانها فتشعر التماسيح بنشوة بالغة وتتساقط قطرات من المياه من عيونها وهى ما يظنه الناس بكاء التماسيح على الفرائس التى إلتهمتها .. وفى هذا السياق يُقال أن الطيور هنا تلعب دور فرشاة الأسنان وفق إتفاق المصلحة المشتركة بينها وبين التماسيح . وفى الحقيقة أن الدموع - دموع البشر - كوسيلة للتعبير عن الحزن أو الفرح تتساقط بشكل لا إرادى .. وهى نعمة ربانية لأنها محلول فسيولوجى يقوم بغسل العين ويحافظ عليها من الجفاف الذى يتسبب فى مضار عديدة منها ضعف الإبصار الشديد والذى قد يصل إلى العمى .. كما أن الدموع تساعد على إرتخاء عضلات العين وترطيبها وتنقيتها من الشوائب المختلفة مثل الغبار والشعر .. وهى فى نفس الوقت سائل مضاد للبكتيريا حتى أن أطباء العيون يجمعون على أن القطرات التى تتساقط من العين لها مفعول أقوى من جميع المضادات الحيوية . والأهم من كل ما سبق أن الدموع هى الوسيلة الأكثر فاعلية فى تسكين اللآلام وذلك بإخراج الطاقة المكبوتة مما يساعد على العلاج النفسى وإعادة التوازن لكيمياء الجسم حيث أنه من المؤكد أنه عند الإنفعال الشديد والتأثر العاطفى – سلبا أو إيجابا – يبعث المخ برسالة إلى الغدة فوق الكلوية التى تقوم بإفراز هرمون الأدرينالين عندما تبدأ دقات القلب فى الخفقان مما يزيد من تدفق الدم إلى القلب الأمر الذى يستدعى من الجسم زيادة توسيع شرايين القلب ليتمكن من إستيعاب كمية الدم المتدفقة ويزيد هذا من ضغط العين وبالتالى تنقبض الأوردة والشعيرات المجاورة للعين التى تقوم بإفراز السائل الدمعى من الغدد الدمعية . وفى هذا السياق تقول الإحصائيات أن نسبة إفراز الدموع عند الأطفال من الجنسين تكون متساوية حتى بداية سن البلوغ فى الثانية عشرة من العمر تقريبا .. بعدها تتغير النسبة وتصبح النساء يبكين أربعة أضعاف الرجال بسبب زيادة هرمون باليرولاكتين لديهن وهو هرمون بروتينى يتم إفرازه من الجزء الأمامى للغدة النخامية ويزيد من إفراز السائل الدمعى .. هذا من ناحية التكوين الجسمانى .. أما من الناحية الإجتماعية خاصة عندنا نحن الشرقيون فإن معظم الناس – إن لم يكن جميعهم – يعتبرون البكاء من سمات النساء والأطفال فقط وأن الرجال لا يبكون أو بالأحرى لا يليق بهم البكاء وينظرون بإزدراء إلى من يبكى منهم .. وهكذا يجد الرجال أنفسهم محرومين من كل الفوائد التى ذكرناها فى الفقرة السابقة مع أننا جميعا نعلم أن كبت الدموع عند الشعور بالضغط أو التوتر تؤدى إلى التعرض لكثير من الأمراض وأعراضها والتى يعتبر الصداع أكثرها شيوعا . وتأسيسا على ما سبق يظن الناس أن النساء ذوات المشاعر الأكثر حساسية وأنهن عاطفيات بدرجة أكبر من الرجال ولعل هذا يفسر إرتفاع متوسط أعمارهن بالمقارنة بالرجال .. بالإضافة إلى عوامل عديدة أخرى مثل النشأة الأسرية والإجتماعية والظروف الأخرى التى يمر بها الناس من أحزان وأفراح ونجاحات وإخفاقات وإنتصارات وهزائم .. ولكن تبقى أكثر الدموع جمالا هى دموع الأطفال وأكثرها تأثيرا هى دموع التوبة والندم وتأنيب الضمير وأكثرها روعة هى دموع الإنتصارات التى يزرفها الأقوياء والعظماء . وإلى موضوع جديد ومقالنا القادم بحول الله .