28 أكتوبر 2025

تسجيل

الْإِعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ

03 أبريل 2016

في ديننا الحنيف الإعانة على الطاعة طاعة والإعانة على المعصية معصية ولِلْوَسَائِلِ في الإسلام أحْكَامُ الْمَقَاصِدِ فَيَشْتَرِكُ المعين في أجر فعل الطاعة وفِي وزر ارتكاب الْإِثْمِ. فكما حرم الشرع تعاطي الحرام حرم كذلك الإعانة عليه، لأن المعين مشارك في نشر الحرام. ":{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}1[1] في صحيح مسلم: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»2[2]، قال ابن دقيق العيد: "وَسِيلَةَ الطَّاعَةِ طَاعَةٌ، وَوَسِيلَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ، وَيَعْظُمُ قُبْحُ الْوَسِيلَةِ بِحَسَبِ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ وَكَذَلِكَ تَعْظُمُ فَضِيلَةُ الْوَسِيلَةِ بِحَسَبِ عِظَمِ الْمَصْلَحَةِ"3[3]. وفي "الصحيحين" — واللفظ لمسلم —: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ»4[4] هنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل الإثم على آكل الربا وموكله فحسب، بل جعل من أعانهم بكتابة أو شهادة مثلهم في الإثم، وكذا لم يلعن في الخمر البائع والمشتري فحسب، بل لعن أيضاً العاصر والمعتصر والحامل لها، فالْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ ولو بشطر كلمة، وَالتَّقْرِيرُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ ويشهد لذلك ما في صحيح النسائي عن أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسِيرٍ لَهُمْ، بَعْضُهُمْ مُحْرِمٌ وَبَعْضُهُمْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ، قَالَ: فَرَأَيْتُ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَأَخَذْتُ الرُّمْحَ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَاخْتَلَسْتُ سَوْطًا مِنْ بَعْضِهِمْ، فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَأَصَبْتُهُ، فَأَكَلُوا مِنْهُ فَأَشْفَقُوا، قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ: "فَكُلُوا"5[5] فلَا يَنْبَغِي لمن ليس مُحرما أَنْ يُعَيِّنَ الْمُحْرِمَ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُحْرِمِ مَعْصِيَةٌ وَالْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُ عَنْ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْإِعَانَةِ فَقَدْ أَتَى بِضِدِّ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَكَانَ عَاصِيًا بالْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلتَّوْبَةِ. وَكَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ لِأَنَّ بَيْعَهُ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَفِي امْتِنَاعِهِ عَنْ الشِّرَاءِ زَجْرًا لِلْمُحْرِمِ عَنْ اصْطِيَادِهِ فَإِنَّهُ تَقِلُّ رَغْبَتُهُ فِي الِاصْطِيَادِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى مِنْهُ الصَّيْدُ. جاء في الموسوعة الفقهية "الإْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ، مِثْل الإْعَانَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِعَانَةِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، فى صحيح "إنَّ الله عَزَّ وجلَّ لَعَنَ الخَمْرَ وعاصِرَها ومُعْتَصِرَها وشارِبَها وحامِلَها والمحْمُولَةَ إلَيْهِ وبائِعَها ومُبْتاعَها وساقيهَا ومُسْقِيهَا"6[6] وفي رواية "وآكِلَ ثَمَنِها"7[7] ووَجْهُ الدَّلَالَةِ — كما قال ابن تيمية — أَنَّ النَّبِيَّ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — لَعَنَ عَاصِرَ الْخَمْرِ وَمُعْتَصِرَهَا، وَهو إنَّمَا يَعْصِرُ عِنَبًا فَيَصِيرُ عَصِيرًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ يُخَمَّرُ، وَقَدْ لَا يُخَمَّرُ، وَلَكِنْ لَمَّا قَصَدَ بِالِاعْتِصَارِ تَصْيِيرَهُ خَمْرًا اسْتَحَقَّ اللَّعْنَةَ، فعَصِيرُ الْعِنَبِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا مُحَرَّمٌ، فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ بَاطِلَةً وَالْأُجْرَةُ مُحَرَّمَةً؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخَمْرِ مِنْ عَمَلِ الْعَاصِرِ، وَقَدْ يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: «وَبَائِعِهَا وَمُبْتَاعِهَا وَحَامِلِهَا وَالْمَحْمُولَةِ إلَيْهِ وَآكِلِ ثَمَنِهَا» يَدْخُلُ فِي هَذَا عَيْنُ الْخَمْرِ وَعَصِيرُهَا وَعِنَبُهَا، كَمَا دَخَلَ الْعِنَبُ وَالْعَصِيرُ فِي الْعَاصِرِ وَالْمُعْتَصِرِ، لِأَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَلْعُونِينَ مَنْ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا فِي عَيْنِ الْخَمْرِ، كَالسَّاقِي، وَالشَّارِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا فِي الْعِنَبِ وَالْعَصِيرِ كَالْعَاصِرِ وَالْمُعْتَصِرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ فِي مَعْنَى هَؤُلَاءِ كُلُّ بَيْعٍ، أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ إعَارَةٍ تُعِينُ عَلَى مَعْصِيَةٍ إذَا ظَهَرَ الْقَصْدُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَزُولَ قَصْدُ الْمَعْصِيَةِ، مِثْلُ بَيْعِ السِّلَاحِ لِلْكُفَّارِ، أَوْ لِلْبُغَاةِ، أَوْ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، أَوْ لِأَهْلِ الْفِتْنَةِ، وَبَيْعِ الرَّقِيقِ لِمَنْ يَعْصِي اللَّهَ فِيهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ. فَإِنَّ ذَلِكَ قِيَاسٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى عَاصِرِ الْخَمْرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إنَّمَا اسْتَحَقَّ اللَّعْنَةَ وَصَارَتْ إجَارَتُهُ وَبَيْعُهُ بَاطِلًا إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرَ يُرِيدُ التَّوَسُّلَ بِمَالِهِ وَنَفْعِهِ إلَى الْحَرَامِ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ — سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى —: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}8[8]. وَيُؤَيِّدُه حديث "مَنْ حَبَسَ الْعِنَبَ أَيَّامَ الْقِطَافِ حَتَّى يَبِيعَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ، أَوْ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا فَقَدْ تَقَحَّمَ النَّارَ عَلَى بَصِيرَةٍ»9[9]، وفي إعلام ابن القيم: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ، سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وهَذَا الْبَيْعَ يَتَضَمَّنُ الْإِعَانَةَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَفِي مَعْنَى هَذَا كُلُّ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ تُعِينُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَبَيْعِ السِّلَاحِ لِلْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَبَيْعِ الرَّقِيقِ لِمَنْ يَفْسُقُ بِهِ أَوْ يُؤَاجِرُهُ لِذَلِكَ، أَوْ إجَارَةُ دَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ أَوْ خَانِهِ لِمَنْ يُقِيمُ فِيهَا سُوقَ الْمَعْصِيَةِ، وَبَيْعِ الشَّمْعِ أَوْ إجَارَتِهِ لِمَنْ يَعْصِي اللَّهَ عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ إعَانَةٌ عَلَى مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَيُسْخِطُهُ"10[10].