17 سبتمبر 2025

تسجيل

بعد كارثة اليابان.. الطاقة النووية السلمية.. هل من إعادة نظر؟ (2-2)

03 أبريل 2011

مع إيماننا بالأزمة البشرية والاقتصادية في اليابان بعد انفجار مفاعل فوكوشيما، الا أن في قصصهم لعبرة لأولى الأبصار، وكما أسلفت في الأسبوع الماضي وكتبت عن أمرين جديرين بإعادة النظر: أولهما العامل الآني المتمثل في المخاطر الصحية المحتملة على البشرية جمعاء من تسرب إشعاعات المفاعل المحتملة في دوائر التغذية والتنفس عبر البحار والنبات والحيوان والثروة السمكية والاستيراد والتصدير وما تحمله المواد المستوردة من ترسبات تحتاج الى اعوام لتنقيتها خصوصا بعد التحذيرات التي وصلت الى سواحل الولايات المتحدة الأمركية الغربية منذ اسبوعين وما ينتقل عبر التصدير والاستيراد الى غيرها من الدول. فإن الأمر الآخر الذي يحتاج إلى إعادة نظر على المدى البعيد هو مدى الانفرادية في قرار تملك الطاقة النووية دون النظر في مخاطر الموقع المالك لا جغرافيا ولا سياسيا ولا حتى "معايريا" او "التزاما" بالسلم ان صح لنا التعبير. فالكارثة اليابانية لا بد ان تحسم الجدل الدائر حول استخدامات المفاعلات النووية المدنية والسلمية في كافة أقطار العالم حتى لو كانت بذريعة التوازنات في تملكها الطبيعي او عدم تملكها لمصادر بديلة لتوليد الطاقة. فكارثة بلد مثل اليابان تعيد الى الأذهان انفجارات مماثلة مثل "تشرنوبل" كما تستحضر القلق في منطقة هشة تكتونيا قريبة منا ايضا، لم يطرق الجوار فيها حولنا من الإيرانيين ولا الإسرائيليين مغبة وقوع مفاعلاتهم على بؤر تكتونية وان أعلنت اسرائيل إغلاقا وقتيا وجزئيا لمفاعلها بعيد حادث فوكوشيما وتجنبا لأي هزات وتفاديا لأية مضاعفات. ولكننا نرى أن الأمر يجب ان يكون أبعد من ذلك، فيجب ان يكون هناك حراك عالمي تجاه كل قطر وكل مفاعل لان مختلف الدول اليوم بلا شك او الأقاليم تسعى للتحرك نحو إحداث توازنات نووية للطاقة في قطاعاتها حتى لو كانت البشرية هي المتضرر أولا وأخيرا سلما وحربا. وهذا ما يدفع الدول لاتخاذ المفاعلات ذريعة أمنية أيضا، وما يسمح به لبعض الدول يجب ان يملى على الجميع والعكس قائم حتى لا تقع البشرية ضحية، اما لانفجارات خارجة عن اليد في مواقع غير مؤهلة، أو لخرق لاشتراطات الأمن والسلامة، أو حتى خرق لاشتراطات الاستخدام المدني، او لاستخدامات طائشة بذرائع شتى. وحتى لا تظل بعض المفاعلات مصدرا يجر ويلات الحروب على بعض الدول بدعاوى باطلة فتنتهك من قبل القوى الدولية ويهلك بشأن أباطيله فيها الأخضر واليابس كما حدث في العراق. لقد فطن مثقفو الغرب لذلك بعد حادثة فوكوشيما، فعلى المستوى الشعبي شارك في ألمانيا أكثر من مائة الف شخص في تظاهرات ضد المشاريع النووية في 450 مدينة، وكذلك الأمر في كل من فرنسا والولايات المتحدة حيث دعا عدد من النواب الى تعليق برامج تطوير الطاقة النووية. وعلى المستوى الرسمي، أعلنت برلين تعليق تمديد أمد مفاعلاتها النووية لثلاثة أشهر. وعلقت سويسرا مشاريع تجديد مفاعلاتها النووية في وقت ستقوم فيه الهند بالتحقق من سلامة مفاعلاتها كافة. من حولنا في وجوم ونحن في منطقة نقول صراحة إننا وسط ضبابية لا نعلم من أمر نوايا مشاريعها شيئا ونحن في الخليج العربي وسط بقعة في مضيق يحده مفاعلان إيراني وإسرائيلي لكل منهما خطورة موقعه التكتوني والجغرافي والسياسي في قلب الحدث وان زُعِمتْ مدنيتهما وسلميتهما. نحن في إقليم قد يمتلك مفاعلا مستقبليا كما نسمع في سعي المملكة العربية السعودية أو ربما غيرها ونحن في منطقة غير تكتونية زلزالية ولكنها منطقة تشهد وقوعها تحت تحركات سياسية بدأت بواكيرها وشرارتها تستغل مع بزوغ ثورات الشعوب من قبل مالكي مفاعلي منطقة الشرق الأوسط الضخمين حول تخوم وأطراف الحدود النووية الشرقية إيران والشمالية الغربية في ديمونة. وأخيرا إذا كان العلماء ينظرون إلى الطاقة النووية كمصدر حقيقي لا ينضب، إلا ان البشر ينظرون الى اشتراطات السلامة والاستخدام الآمن بشتى أشكاله، خصوصا في ظل صعوبة التخلص الآمن من المخلفات عالية الإشعاع عند الكوارث. رحمة بالبشرية، نأمل ان يتحد العالم على إعادة النظر لا في شأن تملك الطاقة النووية من جديد فحسب، فالعالم لن يتوقف عن الطاقة البديلة الأضخم والأوفر حتما، بل في شأن التحقق من اشتراطات وجودها ومواقعها واستخداماتها وسلامتها وأمنها بل وعدالتها الأممية أولا واخيرا وشفافيتها امام البشرية على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار ". كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com