11 سبتمبر 2025

تسجيل

مؤشر مدركات الفساد

03 فبراير 2019

ضمان فرض الضوابط والتوازنات على الأداء الحكومي أصدرت منظمة الشفافية العالمية الأسبوع الماضي مؤشر مدركات الفساد لعام 2018. وفي حين تصدرت دول عربية قليلة مثل الإمارات وقطر المؤشر عربيا، فإن الثقل الأكبر للدول العربية كان في ذيل القائمة، بما فيها بعض الدول التي يفترض أنها تنفذ حاليا حزمة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية الهادفة لخلق بيئة مواتية للاستثمار. وبحسب تقرير المنظمة، فإن الفساد السياسي يعتبر التحدي الرئيس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالرغم من جهود الحكومات في مكافحة الفساد، حيث تتأثر سياسات وتتحدد ميزانيات ومصارف أموال العديد من هذه الحكومات بنفوذ شخصيات تعمل وفقا لمصالحها الشخصية على حساب المواطنين. وشدد التقرير على ضرورة وجود إرادة سياسية تعمل على مكافحة الفساد في القطاع العام. وعلى الرغم من أن العديد من الدول بدأت تتحرّك في اتجاه مكافحة الفساد، فإن تحقيق تقدّم في هذه المهمة لا يزال بطيئًا، سيما في البلدان ذات الموارد المحدودة. وقدّرت الخسائر الإجمالية في العالم جراء الرشاوى وسرقة الأموال العامة بحوالي 12 تريليون دولار في العام 2017. كما تقدر خسائر الفساد في الدول العربية بما يتراوح بين 2 إلى 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي يما يعني أنها تتراوح بين 60و90 مليار دولار. وخلصت دراسة أصدرها صندوق النقد الدولي تطرقنا لها في مقال سابق إلى أن ارتفاع مستوى الفساد يرتبط بانخفاض ملحوظ في النمو والاستثمارات والاستثمار الأجنبي المباشر والإيرادات الضريبية. فنجد أن تراجُع مراتب البلدان بمقدار خمسة وعشرين درجة على أحد مؤشرات الفساد أو الحوكمة يرتبط بهبوط قدره نصف نقطة مئوية أو أكثر في نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي للفرد، وانخفاض يتراوح بين 1.5 و2 بالمائة في نسبة الاستثمار إلى إجمالي الناتج المحلي. كما تشير أيضا إلى أن الفساد والحوكمة الضعيفة يرتبطان بارتفاع عدم المساواة وانخفاض النمو الاحتوائي. ولكون ظاهرة الفساد استطاعت التعايش مع الإصلاحات الاقتصادية في العديد من الدول العربية كما يظهر مؤشر مدركات الفساد، بل وترعرعت وسطها، فهذا يعني أن هذه الإصلاحات ليس سوى جزء من المهمة وليس جميعها، حيث تكمن الصعوبة الرئيسية في تنفيذها بالصورة الصحيحة لكي لا تتحول إلى قنوات جديدة للفساد، وهذا يتطلب بدوره إستراتيجية عمل تواجهها عقبات منها اقتصادية ومنها سياسية. وتتمثل العقبات الاقتصادية في عدم تمكن جميع هذه الدول من محاربة الفساد بإمكانات محدودة، بل يجب توفير إمكانات كبيرة كما فعلت هونغ كونغ على سبيل المثال وأنشأت وكالة للتحقيق مع عدد كبير من الموظفين والمسؤولين. اما العقبات السياسية فتتمثل في أن الكثير من الفاسدين والمفسدين يحتمون بسياسيين مؤثرين في المجتمع مما يخلق مصالح متشابكة يصعب فصلها. ومن هنا يبدو واضحا أن معالجة مشكلة الفساد في البلدان العربية والنامية عموما لا يمكن حلها عن طريق تطبيق هياكل مكافحة الفساد في البلدان المتقدمة في الميدان الاقتصادي في حال غياب أجهزة حوكمية مستقلة وقوية تشرف على إدارة هذه الهياكل. ومن هنا أيضا تدعو منظمة الشفافية العالمية ولأجل إحراز تقدم حقيقي في المعركة ضد الفساد الحكومات إلى تقوية المؤسسات القوية المسؤولة عن ضمان فرض الضوابط والتوازنات على الأداء الحكومي والحرص على أن تعمل هذه المؤسسات دون التعرض للترهيب. كذلك سد الفجوة بين سن التشريعات المتعلقة بالفساد وتنفيذها على أرض الواقع وتطبيق أحكامها إلى جانب دعم منظمات المجتمع المدني، خاصة على المستوى المحلي، وهو ما سيعزز المشاركة الشعبية ورقابة الرأي العام على الإنفاق الحكومي. [email protected]