10 سبتمبر 2025

تسجيل

على حكامنا شرح مستقبل بلادنا

03 فبراير 2015

لم يكن مفاجئا قتل الرهينة الياباني الثاني الصحفي كينجي جوتو على يد تنظيم داعش، فقد كنا نتوقعه رغم الآمال بإمكانية إنقاذه عبر صفقة بين الأردن والتنظيم حسب شروط الجانب الأردني الذي انتبه إلى مقاصد الشريط الأول ويظهر فيه جوتو مسترحما إطلاق السجينة المحكومة بالإعدام في عمان ساجدة الريشاوي مقابل عدم تنفيذ حكم الإعدام بالطيار الأردني معاذ الكساسبة وإطلاق سراح جوتو، ومن داخل غرفة عمليات الأزمة في عمّان خرج الرأي الأقرب للصواب وهو أن التنظيم أراد بخلط ورقتي الرهينة الياباني والأسير الكساسبة هو فتح طاولة مفاوضات لتقديم قائمة طلبات طويلة لن تتوقف عند الريشاوي.التنظيم الذي لم يظهر أي تسجيل أو شريط فيديو للطيار الكساسبة رغم طلب الجانب الأردني أراد أن يوجه مزدوجة ويستخدم لعبة "الكيكبوكسنج" ضد الخصم، فالتهديد بقتل الرهائن وإفساد العلاقات ما بين عمان وطوكيو، وهي إحدى الدول المانحة للأردن، وعمان وواشنطن التي لا تؤيد التفاوض مع التنظيم الإرهابي، وخلخلة التحالف عن طريق إزاحة الأردن من سرب الطائرات المقاتلة وعدم السماح باستخدام القواعد الأردنية منطلقا للهجمات ضد داعش، والأهم محاولة ضرب الاستقرار الداخلي للأردن ظنا منه أن إطالة أمد بقاء الطيار رهينة تحت التهديد سيحرج النظام ويثور عشيرة الكساسبة ومدينة الكرك مسقط رأس الطيار، وحتى تنفيذ جريمة قتل الرهينة الياباني كان الهدف منها تأجيج الشارع الأردني خوفا على مصير الطيار، غير المعروف أصلا.الحرب النفسية هي إحدى محاور حرب داعش، وهو حاول بشدة ممارستها على الأردن بشقيها الرسمي والشعبي، وهو يمارسها أيضا في جميع المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، فهو يجبر مجاميع كثيرة من شيوخ ووجهاء وزعامات العشائر الخاضعة لسيطرته على الولاء للتنظيم وأداء "قسم البيعة" لأبي بكر البغدادي، وهو لا يتوانى أيضا عن محاكمة أو تصفية أي قائد أو فرد من المنضمين تحت لوائه إذا ما شكت القيادة بتصرفاته أو خالفهم الرأي، ولذلك فإن عدم وجود جهة أخرى قوية تتشارك مع التنظيم في السيطرة ترك الأرض وما عليها لسطوة وتحكم التنظيم الذي بات يتضخم بشكل مخيف.ولننظر إلى رهائنه، فهم في الأغلب ليست لهم أي صفة عسكرية أو قتالية إذا استثنينا الطيار الكساسبة، وهم ينفذون القتل بالرهائن بناء على تهمة الكفر، وهناك من قتلهم التنظيم نحرا لاتهامهم بالانتماء إلى جماعات أخرى أو دول مجاورة، ولكنه لم يقم أبداً بالقبض على أي من المقاتلين أو الضباط الكبار للجيش السوري أو مقاتلي حزب الله أو الجيش العراقي، وهذا ما يدعو إلى التمحيص في توجهات التنظيم وغاياته، فهو لم يحاول الاقتراب إلى أسوار بغداد رغم سيطرته على تخوم المدينة قبل أن تتحرك قوات التحالف ضده أو حتى المليشيات العراقية بدعم من القوة العسكرية للحكومة.من هنا نرى أن سيطرة التنظيم على المساحة الأكبر في وسط وشرق البادية السورية وغرب العراق حتى الموصل وتمدده الذي يبدو أنه لن يتوقف في ظل الطلعات الجوية للتحالف قد خدم الهدف الرئيسي وهو إعادة تموضع القيادة السورية وتمكين نظام الرئيس الأسد من إعادة بسط سيطرته على حصته من المناطق الغربية والأهم العاصمة دمشق، وفتح الباب أمام قوات النظام العراقي ومليشيات الحشد الشعبي الانتقامية لدخول البلدات والقرى السنية في ديالى والأنبار التي شهدت عمليات إبادة وحشية لعائلات سنية مدنية ضعيفة ارتكبها أفراد المليشيات الشيعية، وكذلك قدم خدمة غاية في الأهمية لتركيا الرسمية بمقاتلة الأكراد في شمال سوريا، خصوصا كوباني، التي تم دحرهم عنها مؤخرا، وسيطرتهم على الموصل وبذلك منع قيام جبهة كردية مسلحة على الحدود التركية.الخلاصة أن داعش ما زال يتمدد ويستقطب أفواجا تحت إمرته طمعا بالأمن أو خوفا من التهديد في سوريا وغرب العراق، وذلك لتقاعس واضح من القائد الأكبر للتحالف، وهي الولايات المتحدة التي نأت بنفسها عن عملية أسر الطيار، وأن نظام الرئيس الأسد باق لأنه أصبح أحد طرفي المفاضلة، إما "الأسد أو إرهاب داعش"، ولأن كلا منهما يسيطران بالقوة، فإن الميزان بات يميل لصالح النظام، وأن الدور الإيراني أصبح هو الأهم في المنطقة العربية بفضل تقهقر الأنظمة العربية القوية، والأهم أن منطقة "جزيرة الفرات" ستكون برميل البارود الذي سيفجر المنطقة، عاجلا أو آجلا، في ظل تراخي الدول العربية والولايات المتحدة وحلفائها.لذلك على حكامنا العرب أن يشرحوا لنا ما هي نظرتهم لمستقبل بلادنا، حفظهم الله ورعاهم.