16 سبتمبر 2025
تسجيلفي السنوات الأولى من العمر، وكسائر الأقران، كانت تستهويني إحدى الألعاب الخارجية، ومعظم ألعابنا حينها كانت خارج المنزل خلاف ما عليه أحفادي اليوم، كنت أقضي معها الوقت الكثير وكان الوقت يمضي وأنا منغمس فيها، كان سعرها زهيداً وفي متناول اليد، لكن ما تبثه في روحي من أثر إيجابي وسعة أفق أكبر بكثير من المواد البسيطة التي صنعت منها، كانت تحرر خيالي وتمنحني الثقة. وبعد أن كبرت قليلاً أصبحت أفكر بأن أصنع لعبتي المفضلة بنفسي، فمكوناتها الثلاثة متوافرة في كل منزل، كان التحدي أن أعمل نسخة قريبة من تلك التي يبيعها دكان الحي، ذلك الدكان الصغير الذي كان يبيع كل شيء من الخضار حتى الألعاب. أجريت عدة محاولات فاشلة لصنع اللعبة، كانت أعين الأصدقاء ترقبني في كل محاولة، لم يكونوا ليخفوا ضحكاتهم وقهقهاتهم من الموقف، وفجأةً خفتت الأصوات وشخصت الأبصار وهي تنظر إلى السماء، لقد نجحت محاولتي الأخيرة، ها هي طائرتي الورقية تحلق في الأفق وانا ممسكٌ بزمامها وهي تشد الحبل من بين أصابعي الصغيرة وكأنها فرس تتفلت في الميدان، في تلك اللحظة أحسست بالإثارة تسري في عروقي، كان طعم سعادتي هذه المرة مختلفًا إذ كان ممزوجًا بنشوة نجاحي في صنعها بنفسي. ومع مرور الزمن ونسيان مهارة تصنيع الطائرة الورقية إلا أنني ما زلت استلهم منها العبر كلما رأيتها تحلق في السماء، إنها لا ترتفع إلا إذا واجهت تيار الهواء وبوضعيةٍ مناسبة، فكلما زادت شدة الرياح كانت فرصتها اكبر للارتفاع وهي تقاوم التيار مع أنها ضعيفة البنية إلا أنها حطمت المقولة الرجعية التي تنصح بالسير مع التيار وعدم مواجهته. إن مواجهة التيار، أي تيار، بمعناها الحرفي قد تنطوي على تحدٍ كبير، ولكن مواجهته بالوضعية المناسبة قد تكون فيه فرصة للارتقاء وتحقيق الكثير من المكاسب بأقل مجهود ممكن، وبتكلفةٍ لا تتعدى قيمة الورق والأعواد التي صنعت منها طائرتي.