13 سبتمبر 2025
تسجيللا تزال اللحظة التاريخية التي أَعلنَ فيها رئيس الفيفا عام 2010 فوز دولة قطر بتنظيم كأس العالم 2022 حاضرةً في الذاكرة، بل هي راسخةٌ في تاريخِ دولةِ قطر الحديث، ولا زالت صورة الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والشيخة موزا بنت ناصر حفظهما الله وقد غمرهما الفرح، والسعادة الكبيرة بالانتصار صورةً ماثلةً في الأذهان. أيُّ انتصارٍ كانَ، وأَيُّ فوز؟ لا يُدركُ تلك المشاعر إلا من سكنه الحلم الكبير بأن تحتضنَ دولة قطر أعظم تظاهرة عالميةٍ لها وزنها وقيمتها على مختلف الصُّعد وإن كان طابعها الرياضي هو الأساس، كأول دولة خليجية، عربية، إسلامية، شرق أوسطية، معنى ذلك أن تُصبحَ قطر مدار الاهتمام العالمي، ليُدرك من لم يكن يُدرك سابقاً مكانة قطر، والمستوى العظيم الذي وصلته لتستحقَّ استضافة أكبر الأحداث الرياضية في التاريخ، ولتفتح لنفسها سجلاً خاصَّا سيكون مدار اعتزازٍ وفخرٍ لأجيالها المتوالية. كان للإانتصار مذاقه، ولذته، وقيمته لأن قطر تفوَّقت على دول كبيرةٍ لا تنقصها البُنى التحتيَّةِ ولا القدرات التنظيمية، فإِن تفز دولةٌ صغيرةُ الرقعة الجغرافية فإن ذلك يعني أن طموحاتها عظيمة، وحُلُمها مِلءَ الفضاء، فضلاً عن أنها ناضلت، وواجهت التحديات، وخاضت أوقاتاً عسيرةً من أجلِ لحظةِ المجدِ هذه، من أجلِ أن يرفعَ والد ووالدة قطر الكأسَ الرمزية لحظةَ إِعلانها، ولتخلَّد هذه اللحظة في القلوب، ولتوضع نصب عيون كل المكافحين في ما بعد لحشد الجهود والطاقات من أجلِ أن تكون تلك الصورة واقعاً مميَّزاً، ومنجزاً سامقاً على أرضِ قطر الغرَّاء. وإذا كُنَّا هُنا نتحدَّث عن لحظة مدَّتها مجرَّد دقائق فإنَّها هي اللحظة الفارقة في التاريخ بين معركة التنافس على نيل شرف التنظيم، وبين معركة البناءِ والتحضير للحظة الإِنجاز الفعلي، وهي لحظةٌ لا شك تحتاجُ إلى التوقُّف عندها، لأنها لحظة مشحونةٌ بالمشاعر العاطفية العظيمة تجسَّدت في رمزين كريمين من رموز الوطن، وقدوتين عزيزتين من قدواته، لحظة جيَّاشة بالفرح لقطر وهي تدخل مرحلةً جديدةً في تاريخها مستهلَّةً بتلك اللحظة مرحلةً من مراحلها التاريخية التي ستكون لها آثارها الإِيجابية على دولة قطر. إن لحظة الإانتصار إنما تعني كفاءة القدرات، ومضاء الهِمم، التي كانت وراء الجهود لصنع هذه اللحظة الفارقة في التاريخ القطري، علاوةً على المميِّزات التي تفوَّقت بها قطر على منافسيها لاحتضان النسخة الثانية والعشرين من بطولة كأس العالم، وأيُّ المنافسون؟! كبارُ الدُّول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية!، لهذا تكون للحظةِ الإانتصار رونقها، وعظمتها، وجلالها، يقول الروائي الأسباني ميغيل دي سرفانتس: "أن تكون مستعدًا هو نصف الانتصار". لقد تسلَّحت قطر بالإمكانات التي تملكها لتحققِّ "لحظة الإِنتصار" وأوُّل تلك الإمكانات هي الإيمان بالذَّات، يقول اللاعب والمدرب الأمريكي بير برانت: "إذا كنت تؤمن بنفسك ولديك التفاني والفخر، ولم تستسلم أبدًا، فستكون المنتصر. صحيح أنَّ ثمن النصر مرتفع، ولكن المكافآت لا تقلُّ عنهُ ثمناً". في لحظة الإانتصار هذه التي رفعت بعدها السفينة القطرية مرساتها من المرسى لتنطلقَ شاقَّةً عباب البحرِ في سموِّ واعتزاز لعقدٍ ونيِّف من العمل الدؤوب تجلَّى لقطر يوم افتتاح النسخة الثانية والعشرين من بطولة كأس العالم في أرضها الغرَّاء. بين "لحظة الانتصار" و"لحظة الافتتاح" مشاعر من الاعتزاز والفخر بالحلم القطري، بالطموح القطري، وبالإِنسان القطري، لحظة سجَّلها التاريخ في أزهى سجلَّاته بمعانٍ عميقةٍ تتكشَّف شيئاً فشيئاً في سطور التاريخ، ليُدرك الإِنسان القطري أولا ثم العربي والإِسلامي أنها ليست مجرد "لحظة انتصار" بتنظيم بطولةِ كأس العالم، وإنَّما هي أعظمُ من ذلك بكثير. هكذا كان الدرسُ القطري جلي المعنى في أن صناعة "لحظة الانتصار" إنما تحتاجُ إلى بصيرةِ في الرأي، وفرادةٍ في العرض، وكفاءةٍ في الطرح، وقدرةٍ في الإِقناع، وعظمةٍ في الهدف، وإيمان بالذات، يقول الجنرال جورج س. باتون:"اقبل التَّحديات حتى تشعر بمتعة الانتصار"، وهذا ما كان من قطر؛ فقد قبلت التحديات الجسيمة فجاء اليوم الذي شعرت فيه بمتعة الانتصار. شاعر وكاتب وإعلامي عُماني