20 سبتمبر 2025
تسجيلغدا من الصعب في الفترة الأخيرة الاقتصار على التخصص في علم، دون النظر إلى علوم أخرى، فقد بدا أن كل علم يتداخل معه بطريقة أو بأخرى أكثر من مجال وتخصص وعلم، ولعل أكثر ما يتجلى ذلك في تخصص الإعلام، ما دام كل مهنة وكل عمل وكل تخصص بحاجة إلى من يُعْلم عنه، ويروج له، وإلا فسيظل حبيس الأدراج، لا يعلم عنه العامة ولا الجمهور، وكما هو معلوم فإن من صلب تخصص الإعلام، تخصص أدق وهو العلاقات العامة، والتي هي بالأصل ترويج وتسويق للمنتج، وإشهار تحرص الدول والوزارات والمؤسسات بكافة أشكالها وألوانها وتخصصاتها على حيازته، ولذا رأينا دور اللوبيات، أي مجموعات الضغط السياسي في الدول الكبرى، التي يقوم عملها بالأساس على التأثير في القرارات السياسية والاقتصادية للدول المعنية. لكن أخيراً دهمنا إعلام من نوع جديد، وأدوات مغايرة، وهي أدوات السوشيال ميديا، حيث إن قنوات فضائية تقليدية كبرى لم تعد تستغني عن هذه الأداة المهمة، فغدا جمهور هذه القنوات، أو كثير من جمهورها إنما يراها من خلال هذه المنصات، بعد أن تخلى هذا الجمهور عن رؤيتها على الهواء مباشرة، فحدد هو بنفسه الزمان والمكان الذي يريد أن يراها، فاختار برامجها أو مقاطعها ليراها على راحته عبر منصات التواصل الاجتماعي. تلعب مادة التاريخ دوراً كبيراً في حياتنا، وفي كل تخصصات علومنا، ولذا نرى الطبيب حين يسأل مريضه، أول ما يسأله عن تاريخية المرض، متى بدأ؟، وفيما إذا كان أحد من أفراد العائلة قد أُصيب به، ومثل هذه الأسئلة ذات الصلة بالتاريخ، ونفس الأمر يفعل المهندس الذي يريد أن يبني أبراجاً وبيوتاً، فيسأل عن تاريخية التربة، وفيما إذا كانت المنطقة تدخل ضمن خط الزلازل، ليتحاشى البناء فيها، وهو أمر بالتأكيد آكد في العلوم الإنسانية والاجتماعية، اليوم ربما الإعلام يلعب نفس الدور وأكثر، بحيث حتى شيف الطعام لم يعد يستغني عن الإعلام، فيقوم بالترويج لطعامه وبنفسه، ولربما حقق شهرة ورواجاً بين الناس بهذه الطريقة أضعاف ما يروجه له اسم مطعم، وجوده ربما في أرقى وأغنى الأحياء التي اختارها كوسيلة لشهرة مطعمه، فأتى الإعلام ليحقق له أضعاف تلك الشهرة. كثير من الدول والمؤسسات تحرص هذه الأيام على إيلاء الإعلام وتفرعاته، وتحديداً فيما يتعلق بالإعلام الجديد ووسائطه المتعددة أهمية كبرى، نظراً لكونه الحرب الراهنة والمستقبلية الحقيقية، ما دامت الحرب في العالم كله اليوم ومن قبل وفي المستقبل إنما تدور على الإنسان، وعلى صياغة أفكاره وآرائه، وتوجهاته، ولعل أهم وسيلة تلعب الدور الأكبر في صياغة هذا التوجه، هو وسائل الإعلام الجديد التي غدت تشكل حاضرنا ومستقبلنا، ولذا نرى أطفالنا يقضون الساعات الطوال أمام هذا الوافد الجديد، وبدون استغلاله واستثماره في تنمية قدرات وإمكانيات الأولاد، فإن مسألة الحرمان منه لم تعد مجدية، ولعل ما فعلته الصين أخيراً في وجود نسخة خاصة بها وبأطفالها على التيك توك، تراعي ظروف وشروط الأطفال وحتى الأكبر سناً، فرصة مهمة للتفكير والعمل على نسخة خاصة بأطفالنا، بحيث يكون الهدف الأساسي من وراء هذه الأجهزة التعليم والتنشئة الصحيحة، وهذا جهد ينبغي أن تتضافر فيه الجهود من مهندسين في قسم المعلوماتية، ومربين وعلماء من تخصصات متعددة، ففي ذلك الخير الكبير لأطفالنا ولمستقبلنا.