14 سبتمبر 2025
تسجيلعادةً ما يخلق حصار الدول للدول أو لدولة معينة، اضطرابات في بنية المجتمع، وتصدعات في صيرورة العلاقة بين الدولة والمواطن، حيث تتكثف سحُبُ عدم الثقة وتمكّن الخوف — في نفوس المواطنين — من الآتي، وتبعات مدة ذاك الحصار. وما حصل من يونيو 2017 حتى هذه الأيام، بقيام بعض الدول الشقيقة بفرض حصار على الشعب القطري بهدف إرباك الحياة، وعزل قطر عن محيطها الخليجي والعربي والدولي، وصولاً إلى تحقيق الحلم الأكبر، وهو تغيّر النظام. ومع كل المحاولات السلبية التي مُورست من قبل كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر، بما في ذلك منع القطريين والمقيمين من أداء الحج والعمرة، وحرمان الطلبة القطريين من مواصلة تعليمهم في تلك الدول، وتشتيت الأُسر المنتمية لأي من تلك الدول التي لديها أقارب في دولة قطر، وتشغيل كبريات شركات العلاقات العامة في العواصم المهمة ضد دولة قطر، واشغال الرأي العام الدولي بدعاوى لا أساس لها من الصحة، وسنّ قوانين صارمة ضد التعاطف مع قطر، وإغلاق الأجواء الملاحية فوق دول الحصار في وجه الخطوط الجوية القطرية، وربط قطر "بالإرهاب"، كطُعم لاقتناص التأييد الدولي لمحاولات دول الحصار، رغم كل ذلك، وما صُرف من أموال على الإعلام المُضلل، بقيت دولة قطر صامدة وبقي الشعب القطري على وفائه لقيادته، وسقط رهان تغيير النظام أو شق الصف القطري عبر التلويح بعصبية القبلية، والتي تداعى لها بعض ذوي النفوس الضعيفة، وتناسوا أن الدولة تظلل كل أفراد الشعب، وأن القبيلة ليست فوق الوطن، تماماً كما سقطت دعاوى " دعم قطر للإرهاب" ولم يستطع أي من دول الحصار إثبات ما ذهبت إليه رغم مرور أكثر من ستة شهور على فرض الحصار. لن أدخل في تفاصيل موضوعية أكثر، فهي متشعبة ومتعددة، ولكن لم يكن في حسبان " أهل الحصار" أن تستفيد دولة قطر والشعب القطري من فرض الحصار. فعام 2017، رغم مرارته بسقوط دعاوى الوحدة والمصير المشترك والدرب الواحد التي سمعناها على مدى سبعة وثلاثين عاماً في منظومة مجلس التعاون، قد حفل بإنجازات قطرية لم يكن لتتحقق لولا فرض الحصار؛ لأننا في قطر كنا مؤمنين بالمصير المشترك والتعاضد ودعم مجلس التعاون، بما يفيد شعوب المنطقة. ولعل أول الإنجازات التي راهنت دول الحصار على سقوطها، هو التفاف الشعب القطري والأخوة المقيمين حول القيادة، وبروز حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كرمز وطني، دافع عن شعبه مُذكِّراً دوماً بالصفات القطرية و"سنع" الخطاب العفيف في التعامل مع الأزمة، في وقت كانت الشتائم والتعدي على الحرمات تملأ الإعلام في دول الحصار!؟ ظهر سمو الأمير أيقونة جديدة على أرض قطر وفي منطقة الخليج، وهذا ما سدَّ الطريق أمام المحاولات اليائسة لإحلال قيادة بديلة، تم إظهارها في تلفزيونات دول الحصار، ولعلي أستحضر ما قيل وقتها من أن أحدهم سوف يجلس على مقعد دولة قطر في قمة الكويت!؟ لكن الواقع أثبت عكس ذلك، بل جلس سمو الأمير بكل شموخ وثقة على مقعد دولة قطر. بل قاد سمو الأمير دعوات الصداقة في إفريقيا وآسيا مثبتاً صمود الموقف القطري. ثاني الإنجازات التي تحققت في الحصار هو اضطلاع الدولة بتأمين الغذاء وبسرعة فائقة، بعد أن تم إغلاق الحدود من قبل المملكة العربية السعودية، وهذا ما عوّلت عليه دول الحصار لتجويع الشعب القطري، فتمت إقامة الجسور الجوية والبحرية لاستيراد المواد الغذائية وبقية المواد الاستهلاكية. وتحت الحصار تم افتتاح ميناء حمد، وتم عقد اتفاقيات مع الدول الشقيقة والصديقة لمرور البضائع عبر موانئها. ثالث الإنجازات بروز الدبلوماسية القطرية كلاعب بارز على الساحة الدولية، حظيَ بمصداقية وثقة دول العالم، وفنّدت تلك الدبلوماسية — بكل هدوء واتزان — المزاعم وردّت عبر الخطاب المعتدل لسعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، والذي جابَ العالم من أجل دحض الأكاذيب التي روجتها دول الحصار ضد دولة قطر، بل وفتحَ الرجل آفاقاً جديدة للدبلوماسية القطرية، لم تكن لتتحقق في غير أجواء الحصار. الإنجاز الرابع هو تجلي الوطنية الأصيلة لدى أفراد الشعب القطري، دونما هتافات متشنّجة أو وعود أو مجاملات مختلقة، فصور سمو الأمير ملأت السماء القطرية، وأعلام قطر رفرفت بشموخ فوق المنازل، ما يدفعنا للقول: إن شخصية قطرية بدأت تتخلق، تختلف فكرياً وسلوكياً عما كان عليه الوضع قبل يونيو 2017. هذه الشخصية التي لبّت نداء البناء، وأخذت على عاتقها المساهمة في دعم الاقتصاد القطري عبر المشاريع الصغيرة والكبيرة، خصوصاً ما تعلق بزراعة وتصنيع المواد التموينية والخضراوات والفواكه. فدخل كثير من الشباب في هذا المجال، ما يمكن أن يؤمن السلع الضرورية ويساهم في خفض الأسعار بتوفير السلع الوطنية. الإنجاز الخامس: نقاء الإعلام القطري، وهدوء نبرة المتعاملين مع الإعلام، في مقابل الهجوم الشرس والمعتمد على الأكاذيب والاتهامات غير الواقعية على دولة قطر. وإذا كان الكتّاب القطريون قد أدّوا أدوارهم في تنوير الرأي العام حول الحصار، فإن وسائل الإعلام الرسمية من إذاعات وتلفزيونات ووكالة الأنباء، كان لها السبق في دحض تلك الافتراءات التي وُجهت لدولة قطر، وإبلاع الرأي العام بحقيقة الموقف، وحقيقة الدبلوماسية القطرية التي ما زالت حتى اللحظة تنادي دول الحصار بأن تأتي (ببرهانها) على ما ذهبت إليه، ولكن لا من مجيب. الإنجاز السادس: نشاط اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وحصرها للأضرار التي لحقت بالمواطنين والمقيمين جراء الحصار، وسعيها لإظهار الحقيقة في المحافل الدولية، وتعاونها مع المنظمات المماثلة من أجل رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي أفرزها حصار دولة قطر. إنجازات عديدة واجه بها الشعب القطري الحصار، ولسوف يُسجّل التاريخ هذه الإنجازات خلال حقبة قصيرة، كي يعرف العالم حقيقة هدف الحصار، ومخالفته للمواثيق الدولية التي تحترمها الدول، ومن هذه المواثيق: النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي وقعت عليه الدول الست في مايو 1981، وأيضاً ميثاق الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة، والذي تنتسب إليه الدول التي قامت بالحصار، وأيضاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والحصار خالف كل هذه المواثيق في وضح النهار. لقد كان الحصار مفيداً، فقد أزال غشاوة المجاملة والتاريخ، وكشف المتربصين بدولة قطر، وعزز الموقف القطري إقليمياً ودولياً. وفعلاً، قطر ما بعد يونيو 2017 مختلفة، والشعب القطري أيضاً مختلف. وبحلول عام 2018 نتمنى لكل شعوب الأرض الأمن والسلام، وأن تلتفت الحكومات إلى بناء مجتمعات مُنتجة وقادرة على التعامل مع معطيات العصر، وأن تزول الأحقاد من القلوب، وترحل النوازع السوداء من الضمائر، كي تعيش الإنسانية حقها المشروع في حياة آمنة ومستقرة.