11 سبتمبر 2025

تسجيل

الغرب ومراجعة "صراع الحضارات"

03 يناير 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); منذ أحداث باريس الدامية قبل أكثر من شهر، انشغل العالم بالحديث عن إرهاب ما يسمى بتنظيم الدولة وكيفية مواجهته عبر الآلة العسكرية فقط، دون أدنى اهتمام بالبحث عن أسباب قيام هذا التنظيم بهذه الأعمال، وما هي منطلقاته الفكرية، وهل تمكن محاربته أيضا على مستوى الأفكار على اعتبار أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، أم من خلال آلة الحرب فقط التي اعترفت الدول القائمة عليها بأنها لم تساهم سوى في زيادة نفوذ هذا التنظيم كما حدث في سوريا بعد العدوان الروسي على المعارضة المسلحة المعتدلة والمدنيين!. إن ثمة علاقة بين داعش والغرب، فالغرب ربما ساهم بصورة غير مباشرة في ظهور داعش من خلال دعمه المباشر أو غير المباشر لأنظمة مستبدة كبشار الأسد والسيسي وغيرهم وبالتالي الصمت على المجازر التي ترتكبها هذه الأنظمة بحق شعوبها أو ضد فصيل منهم. كما أن المعاملة التمييزية "العنصرية" ضد العرب والمسلمين الموجودين على أراضي الدول الغربية ربما ساهمت كذلك في بروز داعش من خلال الصمت على الانتهاكات التي تحدث لهم أو تؤذي مشاعرهم كما حدث بالنسبة لصحيفة شارل إيبدو، والتي كان من الممكن تجاوز تداعياتها لو تم اتخاذ عقابي في حينها ضد من قام باستفزاز مشاعر المسلمين عبر الرسوم المسيئة. لكن من الواضح أن هناك معايير مزدوجة في التعامل ليس بين الغرب والمسلمين فقط، بل وتمييز اليهود عليهم، حيث لا يجوز انتقاد الصهيونية لأن هذا عمل مجرم قانونيا، في حين يدخل التجريح في نبي الإسلام في باب الحرية المسموح بها!.لقد وقع الغرب في خطأ التعميم عبر إلصاق الإرهاب بالمسلمين، وما يستتبع ذلك من إجراءات من شأنها ليس القضاء على الإرهاب، بل تهديد النسيج الاجتماعي للدول الأوروبية ذاتها من ناحية، وانضمام مزيد من الشباب لداعش في ظل استمرار الظلم الغربي لهم عبر رفض الإطاحة بالنظم المستبدة من ناحية، أو استقبال هؤلاء كلاجئين من ناحية ثانية. وبالتالي لن يكون أمامهم – من وجهة نظرهم - سوى أحد بديلين، إما الانتحار "وهو أمر مرفوض دينيا بالنسبة لهم"، أو مواجهة الظلم باعتباره جهادا قد يؤدي إلى دخول الجنة حتى لو ترتب عليه الرحيل عن الدنيا في ريعان الشباب. إن ردود فعل الغرب الرسمية وحتى الشعبية تجاه العرب والمسلمين بعد أحداث باريس تعيد إلى الأذهان فكرة صراع الحضارات التي تحدث عنها المفكر الأمريكي اليهودي الأصل صامويل هانجتون أوائل تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والتي تؤكد على حتمية صراع الحضارة الغربية مع الحضارة الإسلامية والانتصار عليها. تلك الفكرة التي لا تعبر عن وجهة نظر هانجتون، وإنما تعد ترجمة للأسس الفكرية الغربية التي تستند على نظرية هيجل القائمة على نسخ الجديد "الحضارة الغربية في حالتنا" للقديم "الحضارة الإسلامية"، ونظرية دارون القائمة على فكرة محو الأقوى للأضعف.لقد آن الأوان لكي يقوم الغرب بمراجعة هذه الأفكار التي لم تجر على دول المنطقة سوى الوبال الذي لابد أن يطول دوله أيضا على اعتبار أن النار تحرق من يلعب بها.وبدلا من الحديث عن صراع الحضارات يتم الحديث عن تدافع الحضارات الذي تحدث عنه الإسلام والذي يقر التعددية الحضارية قولا وفعلا على اعتبار أن التنوع سمة الحياة. كما لابد من إعادة النظر في دعم الغرب للنظم العربية المستبدة، لأن هذا الاستبداد ينتج الإرهاب. وبدلا من الحديث عن الحل العسكري يتم الحديث عن كيفية التعامل الفكري مع بذور التطرف ومسبباته. وهنا لابد من إعادة النظر في موقف الغرب من الإسلام الوسطى الذي ساهم في القضاء عليه، سواء بصورة ديمقراطية أو قمعية، ما أدى لبروز داعش وغيرها.