10 سبتمبر 2025
تسجيلكل شيء يتغير بتغير الوقت وبمرور الزمن، الكون والناس والأشياء، وحتى حساب الخسائر في حياتنا يتغير بمرور الأيام، فكلما انقضت مرحلة من حياة الإنسان، كلما كان حسابه لخسائره يختلف عما سبقها من مراحل، وقد نمر بمرحلة نكتشف أن ما اعتبرناه خسارة فيها وأسفنا عليه، ما هو إلا ربح لم نجنيه إلا في مرحلة بعدها. قد نبكي ونتألم، نكتئب ونكره العالم والدنيا لأننا تكبدنا ما اعتبرناه خسائر جسيمة، ولكن هل نتريث ونتأمل حقيقة ما أحصيناه من خسائرنا. قرأت حوارا رائعا مع أحد الذين تحدثوا عن مراحل حياتهم، وعما أعطتهم الحياة وما أخذت منهم، وخاصة عن حساب الخسائر فيها، فقال إنه في مرحلة الشباب خسر فرصة كبيرة للالتحاق بإحدى الجامعات المرموقة، وتألم حينها وبكى واعتقد أنه ليس هناك شيء قد يعوض هذه الخسارة، واضطر أمام إلحاح والديه للالتحاق بجامعة أخرى تخرج فيها بتفوق وبتقدير مرتفع، ثم اتجه إلى المال والتجارة وحقق الكثير من آماله، لكنه وفي أوج نشاطاته التجارية تعرض لأزمة خسر فيها خسارة مالية كبيرة أثرت تأثيرا مباشرا في إنجازاته، وكادت تلك الخسارة أن تقضي على حياته حيث تعرض على أثرها لأزمة قلبية حادة، تعافى منها بصعوبة وعاد ليبدأ من جديد ومرت به الحياة، ثم اختار أن يترك بلاده بعد أحداث فيها، مقررا أن يسافر مع عائلته تاركا والديه وإخوته الذين رفضوا الخروج معه آملين له الحياة المستقرة الكريمة التي يصبو إليها، على أن يقوم بزيارتهم كلما أتيحت له الفرصة لذلك، ومر العمر في المهجر بين أشكال من الربح والخسارة لكنه في نهاية المطاف عندما سئل سؤالا عن أكبر خسارة في حياته قال: ( ما عدت أذكر أي خسارات، فالخسارة الكبرى في حياتي حين رحل والداي بعيدا عني وأصبحت يتيما في عمر الكهولة.). وغير ذلك هناك خسارات في الحياة قد نعتبرها حينها ربحا ولا نشعر بها إلا بعد فوات الأوان، تتضح أشكالها في شركاء أو أبناء قد نتخلى عنهم ونفقدهم، ونعتقد أننا ربحنا بتخلصنا منهم، تأخذنا الدنيا عنهم بعيدا، تلهينا فنسقطهم من حساباتنا، وبكل ألم نكتشف بمرور الأعوام أنهم أكبر خسارات حياتنا. لاشك أن الخسارات الكبيرة في الحياة هي تلك التي تخسرها قلوبنا وليست أيدينا، هي تلك الأشياء التي يصعب علينا أن نستبدل أخرى بها، هي تلك الأشياء التي تبقى تؤلمنا حين نصل لمرحلة في حياتنا نتوقف فيها عن حساب كل الخسائر ونحسبها. ماذا يعني إن خسرت المال، ماذا يعني إن خسرت الوظيفة، أو خسرت الصفقة، أو خسرت الدرجة أو المنصب؟. المهم ألا تخسر مَن تحبهم في حياتك، والأهم من ذلك ألا تخسر مَن يحبونك في حياتهم، ألا تخسر سعادتك، والأهم من كل الخسارات.. ألا تخسر آخرتك. [email protected]