14 سبتمبر 2025

تسجيل

الامتيازات الدبلوماسية وأمن الدولة القومي

02 ديسمبر 2021

نصت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والتي تسري موادها على جميع الدول في العصر الحاضر على أن (تقام العلاقات الدبلوماسية وتنشأ البعثات الدبلوماسية الدائمة بالرضا والتبادل) والبعثات الدبلوماسية حالياً جهاز من أجهزة إحدى شخصيات القانون الدولي العام معتمدة بصورة دائمة لدى شخصية أخرى من أشخاص القانون الدولي من أجل إقامة العلاقات الدبلوماسية. لذا.. فإن الدولة كالفرد، شخص قانوني يتمتع باختصاصات معينة، والفرق بين الدولة والفرد أن الفرد يستطيع بنفسه مباشرة اختصاصاته والقيام بالتصرفات المادية والقانونية التي تُجيزها هذه الاختصاصات، في حين ان الدولة لا يمكنها مباشرة اختصاصاتها إلا بواسطة اشخاص طبيعيين يعبّرون عن إرادة الدولة ويشكلون أجهزة تحددها سياستهم وتشريعاتهم الداخلية، والدولة عادة تكون في الخارج بمؤسسات دبلوماسية وقنصلية تشكل سلكا واحدا وهو السلك الدبلوماسي، وللدبلوماسية كعلم انساني قواعد وأصول لذلك تجد ان هناك قانونا دبلوماسيا لا يختلف كثيراً بحكم اختصاصه وأهدافه عن القانون الدولي العام والذي يهتم بتنسيق العلاقات الخارجية، واستمرار الروابط الفعّالة بين الدول المختلفة. هناك قواعد تقليدية للحصانات الدبلوماسية، وهناك من الدول التي تقصد من ورائها إحكام الرقابة على مواطنيها الذين يعملون في سفارات أجنبية على اقليمها وخشية ان يقوم هؤلاء بدور الجاسوسية وما الى ذلك من تصرفات غير قانونية تحرمها القوانين الداخلية للدولة، وطبقاً لنظرية السيادة المسلم بها، فإن للدولة الحق في ان تمارس اختصاصاتها على كافة الاشخاص الذين يقيمون فوق اراضيها وكافة التصرفات التي تتم على اقليمها، لذلك.. وكما قلنا في مقالات سابقة فإن الحصانات والامتيازات الدبلوماسية ليست في حقيقتها سوى استثناء يرد على اختصاص الدولة. وعند التمعن والبحث في فكرة الحصانات الدبلوماسية فإنك سوف تجد ان هذه الفكرة وجدت حتى في عصر ما قبل التاريخ حيث بررت في بداية الأمر على أساس ديني ثم ما لبثت ان انتقلت من نطاق الاحكام الدينية الى نطاق الاحكام العامة الى ان اخذت طريقها في اتفاقيات وقواعد تحكم هذه الامتيازات منها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام ١٩٦١ م، مع ان هناك تغيرات شهدتها الدبلوماسية من تراخٍ في عدة نواحٍ جنائية وأمنية وغيرها خاصة في حقب ما بعد تأسيس الدول في الشرق الاوسط وقيام حكومات جديدة وكيانات مستقلة، ولا ننكر ان هناك بعض الدول تشعر بعدم الراحة والضيق عندما ترى بعضاً من الدبلوماسيين يخرجون عن القانون باسم القانون واختصاصها القضائي، ويظلون محميين عن أن تنالهم يد السلطات العامة، خاصة اولئك الذين يقومون بتصرفات تمس أمن الدولة المضيفة. لذلك.. خرجت بعض الدول على التضييق من حصانات وامتيازات بعض من هؤلاء المثيرين للشبهة ومدى الحصانة الممنوحة لهم. لذلك تم التفرقة العملية بين ما يتمتع به بعض هؤلاء من حصانة تستمد أساسها المباشر من القانون الدولي والامتيازات التي ترجع اساساً الى المجاملة وبالتالي فهي ليست ملزمة للدولة المضيفة من الناحية القانونية، لأن الدولة المعتمد لديها هذا الدبلوماسي هي التي تقرر هذه الامتيازات بإرادتها المنفردة، وايضاً اعتبر البعض ان هذه معادلة تفرقة ليست مقبولة لدى البعض وقد نادى البعض بعدم الأخذ بها بحجة ارتباطها بالقانون الدولي، ولكن ايضاً عند قيامك بمراجعة مشروع لجنة القانون الدولي واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية تجد انهما أبقيا على التفرقة بين الحصانات والامتيازات لذلك تجد ان التيارات السياسية المعاصرة تلعب دوراً بارزاً في رسم صورة الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، مما حدا بكثير من الدول اتخاذ مبدأ الامن القومي للدولة وسيلة للتعديل في قواعد تعتبر قواعد مستقرة في موضوع الحصانات والامتيازات الدبلوماسية. الى ان وصل الأمر لدى بعض الدول ان تجاهلت هذه الحصانات والامتيازات من الناحية العملية والتطبيقية الفعلية، مما افقدها ما كان لها من صفة قانونية مستقرة وثابته، خاصة عندما يمثل سلوك هذا الدبلوماسي تهديداً لأمن الدولة. خاصة ان هناك من الدبلوماسيين من يتقن اسلوب التزييف والمغالطة والخداع في الوصول الى اهداف وغايات، مطبقاً القول في ان الغاية تبرر الوسيلة، وهو الاسلوب المعروف لدى السياسيين والدبلوماسيين (بالميكافيلية). كل دولة تستمد احكام القانون من تشريعاتها الوطنية وايضاً نظمها وتقاليدها، اما تفصيلات ذلك فتختلف من دولة إلى اخرى، فبيان الاشخاص الذين لهم صفة تمثيل الدولة على نطاق دولي وحدود هذه الوكالة عن الدولة والتصرفات التي يحق لهم القيام بها وذلك باسم دولتهم ترجع كلها الى ما يقرره قانون وسياسة كل دولة في هذا الشأن، لذلك على الحكومات ان تدرك ان العلاقات القانونية والسياسية القائمة بين مختلف الدول اساسها المصالح الخاصة لكل دولة واهمية امنها القومي وخاصية إدارة شؤونها الداخلية والخارجية بما تراه مناسبا لها. لذا.. فالسياسة الخارجية للدولة ماهي الا تدبير لنشاط الدولة في علاقاتها مع الدول الاخرى او المنهج الذي تسير عليه من الناحية السياسية والتجارية والاقتصادية والمالية مع الدول الاخرى، ووزارة الخارجية الحكيمة لأي دولة هي من تستطيع في تدبيرها لهذا النشاط ان توازن بين الالتزام الخارجي للدولة والقوة اللازمة لتنفيذ هذا الالتزام بينما يضع الدبلوماسي هذه الموارنة نصب عينيه كلما أقدم على ابرام التزام خارجي تكون مهمة الدبلوماسي ان يقدم له من المعلومات عن الدولة المعتمد فيها ما يسهل له الطريق حتى يتمكن من تطبيق هذه الموازنة عن صحة واقتدار. ان تنفيذ المنهج الذي تخططه الدولة لتيسر في علاقاتها مع الدول حسب ما خُطط له من تحصيل نتائج في العلاقات الدولية هي مهمة الدبلوماسي الناجح ورجل السياسة الذي يحيط بمصالح البلاد العليا وتنفيذ سياستها الخارجية بعيداً عن الصراع السياسي او اثارة الفتن مما يسميه بعض الدبلوماسيين بالنشاط (الماكيافيلي) الخفي مثل افساد علاقات دولة ما بدول اخرى، لذلك ترى الان وحتى في عصر الدبلوماسية المفتوحة في المؤتمرات والمنظمات الدولية مازالت السرية لدى البعض هي طابع المفاوضات الدبلوماسية مستبعده العلانية في وسائل الاعلام أو إلقاء الندوات الدولية الرنانة في الاروقة الدبلوماسية والمفاوضات العلنية او الدعايات او التأثير في الرأي العام فاحتفظ البعض بسمة المفاوضات السرية للوصول الى الهدف المنشود، في ظل النظام العالمي الجديد والقانون الدولي والمجتمع الدولي وما ترسمه كل دولة من دور على المسرح السياسي العالمي. خبير ومستشار قانوني [email protected]