18 سبتمبر 2025
تسجيلقضية "الحضور والغياب" بين الدولة والمجتمع ظاهرة لافتة للنظر للباحث ويجب التعامل معها بجدية وبوعي، حينما تحضر الدولة وأعني بها هنا "المنصب" يغيب المجتمع، وحينما تغيب الدولة يحضر المجتمع. تبدو الدولة حضوراً متعالياً في الذهن؛ بحيث يصبح أسبقية في الوعي لدى الفرد ويقلل أو ربما يمنع إنخراطه في المجتمع، عاصرنا كثيراً من المسؤولين ممن فضلوا حضور الدولة "المنصب" على حضور المجتمع، وتكدسوا هناك في حضور متعالٍ، فلما غابت الدولة، بدأوا سعياً حثيثاً لإحضار المجتمع ولكن دون جدوى، هذه المعادلة الدقيقة بين حضور الدولة وحضور المجتمع إنجاز إنساني يستطيع من يضعها في شكلها الأمثل أن يحقق توازناً كبيراً بين قيود المنصب وإلحاح المجتمع، أن ينظر المسؤول إلى المنصب من خلال المجتمع يعني أنه استطاع أنسنة المنصب دون أن يُنصب نفسه فوق المجتمع، ليس الحضور هو التجسد؛ الحضور هو غياب الجسد وبقاء الأثر. على الدولة والمجتمع مسؤولية عظمى في ردم الهوة بين الحضور والغياب في ثنائية الدولة والمجتمع، ولن يتحقق ذلك بشكل يخدم الطرفين إلا حين الشروع في بناء مجتمع مدني حقيقي، غياب المجتمع المدني يجعل الحضور عاطفياً لكنه يعطي مؤشراً على الحنين إلى حضور حقيقي فاعل. هذه الكتل التي جاءت للسلام على مسؤول ترك منصبه تدل على وعي المجتمع وإدراكه لطبيعة هذا المسؤول بعيداً عن الظروف، وهذا الغياب والتجاهل من قبل المجتمع لمسؤول بعد تركه المنصب لها دلالة، أيضا، المجتمع لديه من الذكاء ما يجعله يحضر حينما يستشعر أن هناك من يشعر به مجرد الشعور بوجوده ويغيب حينما يستبطن أن هناك من يستعظم عليه سواء بمنصب أو جاه أو وظيفة. بودي لو نحقق حضور الدولة والمجتمع معاً؛ بحيث يصبح المنصب جزءاً من المجتمع وجزءاً من الدولة، وأن يصبح صاحبه متواضعاً ويعيش مع هموم الناس تغييراً أو مشاركةً على الأقل، أعرفهم شخصيات تركت المنصب منذ عشرين عاماً أو يزيد ولا يزال المجتمع يتعامل معهم وكأنهم على كرسي السلطة، إنه الالهام الذي يجعل من الإنسان يعيش في معية الآخر البسيط، ليس لأنه قدم له خدمة مادية بقدر ما قدم له مثالاً على الإنسانية. كثيرون هم أولئك الذين غابوا عن المنصب وغاب عنهم المجتمع، لأنه أدرك أنهم ذوات فارغة أوجدها المنصب ولم توجده. فلما سقط عنها المنصب باتت تعيش في عراء الثرثرة وتضخم الذات وقلة أولئك الذين احتضنهم المجتمع حينما غابت عنهم الدولة"المنصب"؛ لأنهم اثبتوا أنهم ذوات قبل المنصب وكينونة سواء قبل المنصب أو بعده. [email protected]