14 سبتمبر 2025

تسجيل

في أستراليا "شبرة السمك".. سوق ومتنزه وأكاديمية

02 ديسمبر 2012

كنت قد تناولت في مداد سابق بتاريخ 6 مايو 2012: "شبرة السمك في قطر... من يحولها الى شبرة ثقافية وسياحية؟ خصوصا وإننا في الخليج سكان السواحل في بيئة بحرية اعتمدت البحر حياة لها وتلقيت وقتها ردا كريما طيبا من وزارة البلدية والتخطيط العمراني متفاعلا مع ما طرح في المقال من مقترحات، ولأن الحكمة ضالة المؤمن، فآثرت ألا تمر تجربة أخرى ثرية دون ان ألتقطها بعدستي علها تعطينا مثالا آخر يحتذى لبيئتنا البحرية ليس لشبرة أسماك فحسب بل لمركز ترفيه واستجمام وثقافة بل وتعليم ايضا. "الشبرة " في جنوب شرق الكرة الأرضية أما وقد وقفت في المقال السابق على ثقافة الغرب ممثلا في زيارتي لسوق السمك في مدينة "سياتل — اميركا" أقارن اليوم بسوق سمك آخر لثقافة مختلفة في الجنوب الشرقي من الكرة الأرضية على ذات المحيط الهادي هي "سدني عاصمة — ولاية نيوساوث ويلز — في استراليا" لتجده ليس شبرة عادية بل مركز سياحي فذ تجد فيه أمة من الناس لم تأتِ فقط لتشتري سمكا أو لتنعم بطبق لذيذ منه بل تأتي كما أتيت أنا لأتجول واكتشف واتفسح في ثقافة أحبها ويحبها كل خليجي عاش وترعرع على البحر، ولأقارن بين اهتمامات دول بثقافة البحر وهي تعد دولة ثرية في المناجم والتعدين فضلا عن الثروة الحيوانية والزراعية أي هي تسبقنا بكثير في الثروات المتعددة الغنية التي تعد مصادر دخل متعددة، ونحن مع اشتراكنا في مصدر من مصادر ثرواتنا مع مثل هذه الدول مثل الغاز إلا إننا لم يتيسر لنا مثلها في الأرض الخصبة أو السواحل الضخمة على المحيط ومصايد اللؤلؤ ومزارعه والثروات المعدنية. وما اعنيه هو المقارنة بين دول اعتمدت البحر فقط ولمدة طويلة مصدرا أوليا ووحيدا لرزقها وثرواتها الى ان حباها الله اكتشاف النفط فعجزت وعجز النفط عن ان يحمي ثقافة البحر "ومصادر غذائه وثرواته الأخرى الطبيعية" كما حمته تلك الدول رغم التوجه المحمود للدولة مع هذه القارة ايضا في مشروع "حصاد قطر" فيما يتعلق بتربية الاغنام وزراعة العلف في هذه المراعي الخصبة ضمن برنامج دولة قطر. هندسة المبنى وسط الإضاءة والتهوية سوق سمك سدني ليس مجرد مساحات مزاد للبيع والمرابحة والبيع العشوائي بل مساحات متكالمة للسوق ومرافقه بحيث يكون مقر البيع محكم الهندسة في السقف وتوزيع المساحات والممرات والاضاءة والتهوية والتكييف والتبريد والثلج والتنظيف، فضلا عن تطبيق معايير فنية على البائعين والبائعات ممثلا في توحيد زيهم فيبدوا مظهرهم فنيا ومهنيا جدا دون ان يتفصد عرقهم على ما تحمله السلال المكتظة بالأسماك والقشريات وثمار البحر، كما تعايشه شبرة اسماك حارة ملتهبة عادة. تحديد الأنواع والأسعار اضف الى ذلك ما يصاحب بيعه من تعريف بالنوع تدوينا عليه مما يعزز ثقافة لا يراد لها ان تندثر بتعريف كل فئة ونوع على حده باسمه ومن ثم تدوين السعر بالكيلو احتراما لحق المستهلك ومنعا للغش التجاري ايضا، وتنظيم كل نوع من السمك والقشريات في ثلاجات متراصة خاصة به وبناء ثلاجات او "فريزرات" معلقة علوية تفرز مكعبات الثلج تتساقط تلقائيا من الأعلى حسب الحاجة والطلب في مسارات خاصة بها دون ان تتكبد عناء جرّ أو تحميل برادات الثلج من مكان الى آخر. هذا ويتم تقديم كافة الخدمات المتعلقة بالسمك من النييء إلى المقشّر والمطبوخ تحت سقف واحد باحتراف، فضلا عن توفير الحيّ منه في مسابح تتيح الانتقاء كام الربيان، وتوفير الجاهز للبيع والمسفط والمقطع وسائر ما يحتاجه المشتري. متنزه السوق سوق أسماكهم مقهى ومكان ترفيه ولقاء وتنزه ومن ثم سوق بيع هو أسلوب حياة متكامل باطلالة بحرية بجلسات مظللة لمقاه ومطاعم تقدم ثمار البحر واسماكه بمختلف طرق الطهي وعلى جنبها مراكب صغيرة "للتنزه" ذكرتني بماض قطري خليجي جميل تعرف السنبوك والبتيل وسفن الصيد ومختلف المحامل والغزول والمساكر بملابس هي تراث فني متكامل يشكل في ذاته ثروة سياحية لقطر والخليج لو استغلت بحق لأمكنها ان تستقطب حشودا من السياح من مختلف دول العالم خصوصا ان بيئة البحر وثقافته بيئة ووجهة سياحية جاذبة لجميع الجنسيات والثقافات فضلا عن غنى المطبخ القطري بطرق طهي فريدة يمكن ان تقدم على فرض المصايد والمساكر في مطاعم مصاحبة بطرق عصرية يفتح فيها الباب لابتكارات السكان وللمشاركة الشعبية في تسويق وتجارة غذاء البحر دون احتكار، فضلا عن امكانيات استخدام السفن لرحلات تقدم طعام البحر على متنها. مرافق متكاملة مصاحبة.. لم يكن سوق سمك "سدني" مركزا للبحري فقط، بل حوى ايضا سوبر ماركت وخضارا وفاكهانيا ومقاهي متعددة ومخابز ومحل وجبات خفيفة "ديلي" تحت سقف واحد ومطاعم داخلية ايضا وتصميما عاليا جدا للأسقف ينعم بتهوية وتبريد تستحق ان تحتذى في بلداننا الحارة. مدرسة وأكاديمية لم تبهرني مقاهي السوق وتنوعها حتى وصلت الى قيمة عظيمة وإضافة رائعة لمكاسب السوق تعد أهم واحدث فقد احتوت "الشبرة" على أهم ما يمكن ان يحتذى وهو "مدرسة لتعليم فن طبخ المأكولات البحرية" والتي كدت ان انخرط فيها مباشرة لولا بعد المدينة سدني عن العاصمة الاسترالية القاريّة الداخلية "كانبرا" الباردة قلبا وقالبا. مداخل ومرافق وسيارات التحميل الخارجي السوق خطط تخطيطا ميدانيا دقيقا في مبناه ومداخله ليس في روعة التصميم فهو عادي ولكن تميزه انسيابيته وعمليته ومهنيته لوظيفته وفي مرافقه ومواقفه وملحقاته في جلساته المظللة على الفرضة، فضلا عن التخطيط الدقيق لمواقف ومناطق التحميل والتوزيع بشكل انسيابي، وتوفر ما اظن ان السماكين في قطر يشتكون من نقصه دائما ويطالبون به وهي ادوات النقل المأمونة للسمك، اعني سيارات النقل المبردة ومنصاتها دون مخاطر تلف البضاعة. شبرة السمك على الانترنت وأخيرا لم يحفل سوقهم بجمهور من "الشيبان" فقط او العمالة كما لدينا، بل حرص ان يكون عصريا،لذلك هو ليس مبنى ومرافق أرضية من عالم الواقع فحسب، بل وضع على لافتة تراها هناك من أعلى جسر سدني وبجانب إعلانه عن اكاديمية طبخ السمك" مفادها: " هذه مواقعنا على أدوات التواصل الاجتماعي" مسطرا النقلة الحضارية الحديثة في عناوينه على كل من: اليوتيوب، الفيسبوك وتويتر. ولم ينس الدعوة المعروفة على الفيسبوك " وما تحمله من اهمية التسويق والتواصل مع الأجيال جيلا بعد جيل.Like Us وأخيراً آثرت أن أرصد لكم كل ما سبق اعلاه بعدسة كاميرتي، ولكن بعد كل هذه المهمة وعندما عزمت على الجلوس تحت مظلة ومنظر رائع على مقعد مطل على هذا الخليج الجميل وجدت انني نسيت مع زحمة الانبهار بخدمات السوق ولهفة تصوير كل زاوية ان اطلب لي سمكا مشويا قبل اغلاقه. فتركت السوق ورائحة السمك اللذيذ ما زالت عابقة مع ذكريات أهل البحر وعزائي الوحيد في خسارة فرصة مذاق بحري جميل لسمك طازج من المحيط الهادي انني حملت هذه التجربة الثرية مصورة هنا مع التقرير لأنقلها لكم ولقطر عن بعد.