12 سبتمبر 2025
تسجيلأشتاق لتلك اللحظات التي تأمرني فيها أمي بإيصال طبق مميز للجيران والفرحة التي تغمرني وأنا أهرول بقدمَيَّ الصغيرتين نحو بيت الجيران، أشتاق وأنا في مسيري على قارعة الطريق لتلك الألحان التي تعزفها الحياة من أحاديث المارة وصياح الديك وصراخ الملاعب، تلك اللحظات التي تهب فيها نسائم العصر فتنشر روائح النخيل وترابه المبلل، تلك اللحظات التي أطرق فيها باباً أو أدق فيها جرساً متباهية بما كلفت به من مهمة، طامعة متيقنة أني لن أعود فارغة الأيدي، فإما مديح سيغمرني أو قطعة نقد أو حلوى أعود بها إلى المنزل. غنائم الصغار وإن تواضعت لا تضاهيها أي غنيمة، فتلك القطعة المعدنية الصغيرة والتي بالكاد تحمل قيمة لديها من السحر العجيب الذي يحلق بنا إلى عالم من السعادة. نفوس لم تصلها بعد هموم الحياة ومطامع الأيام، نوايانا كبياض الغمام صفاؤها، تسعد بأبسط العطايا وتثمنها. لا نحسب الأيام بل نمضي معها ونعيش لحظاتها بين مرح ولعب، درس وصلاة، منزل وعائلة، ضحكة وتلفاز، لا تحديات نصارع من أجلها ولا تعقيدات تؤرق مضاجعنا، لم تكن مصطلحات التنمر والاكتئاب والجائحة متعارفا عليها في قواميس تلك الأيام، كنا بمعزل روحاني جميل، جوهره العائلة، وفصوله الأخلاق، وساعاته محسوبة بمواقيت الصلاة. ممتنة أنا لذاكرة السنين تشدني اشتياقاً فأرحل إليها كلما ضاقت بي الأيام.