14 سبتمبر 2025

تسجيل

تكبر وتنسى

02 نوفمبر 2014

مهما حلّت بك الخطوب، وأحاطت بك الأحزان، والمواقف الموجعة.. ستتراقص أمامك عبارة: " تكبر وتنسى "، بعد أن يتم تلقين أذنيك بسماعها بصورة مكررة.. تكراراً مملاً.. تتذكر طفولتك الملونة بأقلام امتلأت رؤوسها بمشاعر متفاوتة.. تجري.. تُسابق طفلاً آخر بعمرك.. فتقع على وجهك.. فترفع رأسك ببكاء ونحيب على ضرسك الذي تطاير.. حينها قالوا لك: " تكبر وتنسى ".. تغترب.. تبكي في وحدتك.. تعانق وسادتك وهي مضطجرةً بدموعك.. تتحدث أمام المرآة ولا أحد يسمعك.. ولا تسمع سوى تقارع الهواء بزجاج نافذتك.. فيهمس ذلك الهواء بحروف مبعثرة.. تحاول سماعها جيداً.. لتكتبها على ورقة.. فتعيد ترتيبها لتصبح: " ت ك ب ر وت ن س ى "! يصرخ أحد ما في وجهك.. ويسهب في تكوين ملافظ السعد ويلصقها على جبينك! فتدخل التاريخ من أوسع أبوابه.. وينحتها النحاتون في فرع متحف اللوفر القابع في ذاكرتك.. لكي يلتفت إليك أحد الزوّار ممسكاً بيده خارطة الطريق ويقول لك بطريقة هزلية: " تكبر وتنسى "!ترسب في أحد الامتحانات وجسدك لم يكتمل نضجه بعد.. فيلاقي أشد أنواع الضرب والبصق من والديك...والشتائم تعبر أمامك أثناء النقاش الحار معهم باستئذان: " اشوي لو سمحت ".. فيلتصق بغتةً شيء ما مصنوع من الجلد على ظهرك.. تستعيد قواك العقلية والنفسية بعد مرور ساعات قليلة من النزاع المسلح في منزلك.. لتهتف أنت الآخر بعبارة: " تكبر وتنسى "! تحتدم في رأسك الأفكار المتشابكة ببعضها البعض،فتسير في الطرقات وعلى رأسك غيمة سوداء.. تفكر في شؤون العمل.. ومسؤوليات وطلبات العائلة..ومشكلاتك مع أحدهم.. فواتيرك المتراكمة.. تعود إلى المنزل.. سارح الفكر.. لعبة صغيرة الحجم ملقية عند باب غرفتك بفعل فاعل.. ودون أن تدرك تدعس عليها حافي القدمين.. وغيمتك السوداء التي على رأسك تتخللها عواصف رعدية... مختلطة بالألم وفوران الدم.. حينها يخرج طفلك ويقول لك: " تكبر وتنسى "،عندما يثير صدقك حنق الآخرين.. ويشعرون بالإهانة جرّاء قوتك عند قول الحقيقة.. ستتعرض لشيء من الكلام السلبي.. والانتقادات اللاذعة.. وحفر الحفر.. والتسلح وهم يراقبوك من خنادقهم.. وتوجيه أسلحتهم المصنوعة من الاتهامات إلى رأسك.. ستنزعج كثيراً.. ولكن لا تقلق لأنك ســــ " تكبر وتنسى ".. يزداد بك العمر.. ويتكاثر البياض في شعر رأسك وحاجبيك.. تضعف قواك الجسدية وتترهل عظامك.. تمسك بعصاك وظهرك منحني، وتجاعيد وجهك كخارطة طريق توهت الغرباء.. يزداد سعالك كل يوم، تزعج من حولك بسبب أصوات سعالك الديكي.. تمرض.. ووقوفك على قدميك بات من المستحيلات.. تصبح طريح الفراش.. تدخل في غيبوبة.. كل من حولك أصابه الضجر! وبعض الدموع تتناثر من عينيك دون أن تدرك.. ربما حزن لم يشعر به من هم ينظرون إليك وأنت في المشفى.. لا تستطيع أن تحرك أي شيء من جسدك.. وفي جميع الأحوال لا تقلق ولا تحزن ولا تكترث .. لأنك " ستموت وستُنسى ".