20 سبتمبر 2025

تسجيل

النظام السوري في مواجهة مبادرة الجامعة العربية

02 نوفمبر 2011

النظام السوري أكبر المستفيدين من مبادرة الجامعة العربية لو كان يعقل، لأنها بمثابة طوق نجاة له، من شرّ أكبر، بعد أن فشل على مدار حوالي ثمانية أشهر في قمع الاحتجاجات الشعبية رغم العنف المفرط الذي يستخدمه ضد المدنيين . هل سيستفيد النظام السوري من هذه الفرصة، ويقبل بالمبادرة حقا ؟، ومن ثم يحوّلها إلى برنامج عمليّ فورا ؟ لا أعتقد أنه سيوافق على المبادرة، بل سيعمد إلى طلب تعديلات أو إضافات عليها تفرغها من مضمونها، وإذا قبل بها فإنه سيراوغ في تطبيقها، ويعمد إلى أشد الفبركات والحيل ليثبت أن هناك من يعيق تطبيقها، أو مواصلة العمل بها، ولو بعد حين، مستمرا في اللعب على عامل الوقت الذي يعتقد أنه سيصب في مصلحته. ما يرجح هذا التوقع جملة من الأمور المهمة تتعلق بعقلية وبيئة هذا النظام وتركيبيته وبسلوكه ومواقفه وتصريحاته قبل وأثناء الثورة الشعبية، وقبل وأثناء طرح المبادرة: لو أخذنا البند الأول من المبادرة والذي يتطلب وقف العنف فورا ورفع المظاهر العسكرية من معدات وقوات وغيرها من الشوارع فإن النظام يدرك قبل غيره أن هذا لو تمّ فمعناه اتساع وامتداد نطاق المظاهرات الاحتجاجية جغرافيا وكميا لأن النسبة الساحقة من الشعب السوري ستخرج إلى الشوارع، إذ أن ما يمنع عمليا من تواصلها أو خروجها كما كانت في حماة أو دير الزور وغيرها ، أو تعطلها أو غيابها عن بعض المناطق لبعض الوقت هو المعدات العسكرية من دبابات وطائرات وبوارج.. والحواجز العسكرية وقوات الجيش والأمن ومن يساندها من فرق " الشبيحة" .. لقد أفلح النظام في الحد من المظاهرات بزخمها الذي كانت عليه في بعض المحافظات والمناطق بفعل الحديد والنار، ولكنه لم يفلح في استئصال شأفتها في الشوارع نهائيا، والأهم من هذا عدم قدرته على انتزاع جذوتها في نفوس الثوار بعد أن كسر الشعب حاجز الخوف. قمع النظام ليس مفاجئا لشعبه ولمن يعرفه، لأنه يدار بعقلية أمنية على كافة المستويات منذ السبعينات من القرن الماضي، ويستخدم العنف ويرتكب المجازر منذ الثمانينيات، كل ما في الأمر أن وسائط الإعلام هي التي تطورت فصار يمكن من خلال الانترنت والفيسبوك والجوال نقل ما يدور وإيصاله للفضاء الخارجي مباشرة، ففضحت أفاعيل النظام التي طالما حاول وما يزال التكتم عليها. على مستوى اللحظة الراهنة فإن أعداد الضحايا من المدنيين منذ الإعلان عن المبادرة العربية وحتى الآن ازداد بشكل ملحوظ، دون أن يحترم النظام الجامعة العربية ومساعيها الحميدة، أو يأبه لتوفير الأجواء والمناخات المناسبة التي ينبغي تسبق الموافقة عليها، وهو ما اضطر اللجنة الوزارية مساء الجمعة الماضية إلى توجيه "رسالة عاجلة" إلى الرئيس السوري أعربت فيها عن "امتعاضها لاستمرار عمليات القتل"، وطالبت بفعل "ما يلزم لحماية المدنيين". أما البند الآخر، وهو الحوار مع شرائح المعارضة ، فهو الآخر عصيّ على النظام إلى درجة الاستحالة، لأنه يدار منذ نحو نصف قرن بعقلية الحزب القائد ، والزعيم الملهم، والقيادة التي تستمر إلى الأبد، وبنسب تزيد على 99 بالمئة، ومثل هذه العقليات التي تكلست من جيل الأب إلى الأبن وتربت على ذلك يصعب عليها تقبل المعارضة والاعتراف بوجودها، فضلا عن محاورتها، وتداول الحكم والسلطة معها، وهي تتعامل معها بعقلية الإنكار أوالتخوين ، أوالتعالي والغرور والتقليل من شأنها ووزنها وتأثيرها. لعل مقابلة الرئيس الأسد مع صحيفة صنداي تلغراف البريطانية كشفت عن بعض جوانب ما أشرنا إليه، فقد اختصر الثورة الجماهيرية بأنه صراع بين الأسلمة والقومية العريية، علما أن التحرك في انطلاقته وحتى الآن شعبي شبابي أكثر منه حزبي ، وأن الكثير من المعارضين في الداخل والخارج شخصيات وأحزاب هم من القوميين واليساريين والعلمانيين. ورغم كل ادعاءات النظام منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن عن رغبته بالحوار مع المعارضة فإنه عمليا لم يحاور إلا نفسه، وجعل من العنف وسيلة التفاهم مع المتظاهرين، حتى بات شباب تنسيقيات الثورة ومعارضة الخارج يرفضون الحوار مع نظام لا يعرف غير لغة الرصاص والدم فقط ، أما معارضة الداخل التي قبل بعضها بمحاورته فإن النظام لم يفلح بالتفاهم معها رغم مضي ثمانية أشهر لأنه لم يكن جادا، وعجز عن توفير الأجواء اللازمة للحوار ، كسحب الجيش والمظاهر المسلحة ووقف آلة القتل وإطلاق سراح المعتقلين وضمان حرية التعبير وحركة الناشطين السياسيين. ما نتمناه أن يستجيب النظام للمبادرة، ويتعامل بجدية معها ومع استحقاقاتها واستحقاقات الثورة السورية عسى أن تكون مخرجا للبلاد مما تعانيه، من خلال حلول ومعالجات عربية ، وإن أبى أو راوغ وأصر على التعامل بعقليته التدميرية المتغطرسة مع الداخل والخارج بمن في ذلك شعبه وأشقاؤه ـ وهو المرجح ـ فإنه يجب أن يتحمل تبعات ما سيترتب على هذا الرفض، واتباع عقلية " عليّ وعلى أعدائي" .. أو " أنا ومن بعدي الطوفان ".. والعاقل من اتعظ بغيره.