12 سبتمبر 2025

تسجيل

الطائر القمري

02 أكتوبر 2022

نستمر معكم أعزائي القراء في الغور بين ثنايا كتب التاريخ القديم، نبحث عن العظة والحكمة في قصص وحكايات السابقين والأولين، واليوم جئتكم بقصة جديدة تحكي قصة شركة متوحشة ومفترسة في مجاله، وصل صيتها في زمانها إلى أقاصي البلدان وتحدث عنها العربان في كل مكان. قصتنا اليوم عن شركة الطائر القمري، والتي حققت توسعاً كبيراً في زمانها تحدث عنه القاصي والداني، وبالرغم من تواضع نشأتها في إحدى المدن النائية التي تقع بالقرب من سفوح جبال العصافير والواقعة جنوب شمال بحر الروم أيضا، فإنها أضحت أخطبوطا امتدت أذرعه إلى كل شبر في أنحاء المعمورة، وحققت سمعة طيبة في جودة خدماتها ومكاسب كبيرة في تجارتها، حتى باتت مضرباً للأمثال. وقد تتساءل الآن عزيز القارئ، إن كانت نجاحاتها كما سردنا وقلنا فما هي إذن العظة في قصتها، وكيف انتهت هذه الشركة واندثرت؟. سأقول وأحكي لكم ما ورد في كتاب "إمتاع الفؤاد في أخبار البلاد" لابن الدهن العداني، يقول ابن العداني "إنه في عام ثلاثة وستين وأربعمائة حُلت شركة الطائر القمري وانتهت سطوتها على مجال خدماتها محليا وعالميا، ويرجع ذلك إلى ثلاثة أمور أدت في النهاية إلى زوالها. أول هذه الأسباب أنها كانت تدار بمركزية شخصية متفردة، فالشركة كان يحكمها رئيس يتبع أسلوبا متسلطا شعاره لا أريكم إلا ما أرى، وهذا الأمر خلق نوعا من الاستياء والبغض في محيط مساعديه من المديرين والإداريين، وأدى هذا الأمر إلى افتقار الشركة للكفاءات الوطنية التي تستطيع إدارة الشركة إذا انتهى عهد هذا الرئيس. والأمر الثاني أن أسلوب تعامل الرئيس مع من حوله من الكفاءات القيادية أدى إلى تنفيرهم وتركهم للشركة، فباتت الشركة مرتعاً لبطانة غير مواطنة همها إرضاء الرئيس والكسب المادي فقط دون الاعتبار بالمصلحة العامة للشركة". ويتابع ابن العداني سرده في كتابه فيقول: "والقاصمة الكبرى أن أسعار خدمات شركة الطائر القمري كان فيها إجحاف كبير لأهل البلد الذي تعمل فيه، فقد كانت تقدم خدماتها للأغراب بأسعار مخفضة جداً مقارنة بالأموال الطائلة التي كانت تطلبها مقابل خدماتها من أهل بلدها، الأمر الذي خلق جواً من السخط والاستياء والانتقاد لهذا الأسلوب من التعامل مع أهل البلدة استمر طيلة فترة عمل شركة الطائر القمري". ويقول ابن العداني "إنه في يوم مشهود أعفي الرئيس من عمله وأسندت مهام إدارة الشركة الى رئيس جديد ليتابع مسيرة النجاح، ولكن هيهات فقد صُدم الرئيس الجديد بواقع مرير فقد اكتشف أن جميع أسرار عمل الشركة وإدارة مفاصلها لا يعرفها إلا الرئيس السابق، والذي بطبيعة الحال امتنع عن تقديم يد العون للمدير الجديد، وما هي إلا سنوات قليلة حتى بدأ نجم شركة الطائر القمري في الخفوت والتلاشي بالرغم من توالي المديرين الذين بذلوا جل جهدهم في تلافي الخسائر ولكن دون جدوى، فقد أفُل نجم الطائر القمري. والحكمة من هذه القصة عزيزي القارئ، أن المركزية في القيادة قد تنجح على المدى القصير لتحقيق مكاسب ولكنها بلا شك ستفشل على المدى الطويل وخصوصا إذا بنيت على الأشخاص لا الخطط الإستراتيجية، لأن المركزية تفتقر إلى إعداد كفاءات لتولي مراحل الإحلال الطبيعي لاستمرار النجاح، والأمر الآخر أن المكاسب المادية ليست نجاحاً إن كانت على حساب اضطهادك لأقرب الناس إليك.