12 سبتمبر 2025

تسجيل

رُبَّ ضارةٍ نافعة

02 أكتوبر 2019

من المؤسف أن يحدث هذا الاختراق الواضح في قناة (بي إن سبورت)، ويقوم موظفون لهم مواقعُ مهمّة بالتآمر على مصدر رِزقهم، ورغيدِ عيشِهم، في هذا البلد الآمن، الذي أكرمهُم، وأعزّهُم من بعد ذُل، ومنحهُم أكثر مِما يُمنح للمواطنين. فحلقة (ما خفيَ أعظم) من قناة الجزيرة – الأسبوع الماضي – كشفت حقيقة، قد يكون كثيرون غافلين عنها، أو غيرَ مُلتفتين لها! إلا أن السلطات الأمنية الواعية استطاعت كشفَ الحقيقة، والقبضَ على المسؤولين عن ذاك الانتهاك الخطير لأمانِة المهنة ومسؤولياتها. تلك إشارةٌ ضارة، ويستوجِب علاجُها حسب النُظم والقوانين المَعمول بها في البلاد، ولا يجوز لنا أن نبدي أي رأي في هذه المرحلة أو الدخول في تفاصيلها. لكن الإشارةَ النافعة، في مواجهة الإشارةِ الضارة، هي ردةُ الفعل الغاضبة، في وسائل التواصل من قِبل المواطنين، على الثقة «العمياء» التي يُقابل بها بعضُ العرب الذين حصلوا على الجنسيات الأوروبية والأمريكية، واعتبارهم من «الخوارق» الذين لا يُشقّ لهم غبار، وهم أدنى من ذلك، حيث يحميهم – فقط – جوازُ السفر!. وكان من المُفترض أن يتأسَّسَ هؤلاء على قيم الأمانة والاخلاص والوفاء للوظيفة ورُقيّ التعامل مع الوظيفة، كما هو الحال في البلدان التي يحملون جنسيتها. يُقابل ذلك وضعٌ استثناني للموظف القطري الذي يُزجّ به في هيئة التقاعد، وهو لم يبلغ الستين، وبعضُهم يحمل مؤهلاتٍ عاليةً، وخبرة تزيد على الثلاثين عاماً، وما زال صحيحَ العقل والجسد، وقادراً على العطاء، ولديه قدرةٌ على التعامل الإعلامي أكثر من غيره. كما أن هذا البعض يُجيد اللغة العربية والإنجليزية بطلاقة، قراءةً وكتابةً وحديثاً! ماذا ينقصُ هذه الكفاءات – التي لربما – لم (يركب) نجمُها على نجم المسؤول؟! أو أن المسؤول الذي وَقّعَ كتابَ إحالتِها إلى التقاعد، أقلّ مستوى منها، وأقلّ كفاءة، وأقلّ خبرة في المجال؟!. نحن هنا لا نريد التباكي على اللبن المسكوب! ولكنَّ ما سَطّرهُ المُغردون على وسائل التواصل، يُثبت أن هنالك مشكلة مَسكوتٌ عنها! فالقطري المؤَهل، الذي أُحيلَ إلى التقاعد وهو لم يتجاوز الخامسة والخمسين، وهو بكامل عقله وصحته، وأمانته، وحرصه على أمن بلاده، وبراتب 30 ألف ريال، لا يجوز أن يُحرم من وظيفة أخرى، من نفس تخصُّصه، في هيئة أخرى!. لا أن يتم توظيف إحداهن براتب كبير جداً، لقاء قراءة نشرةٍ إخبارية أو موجزٍ للأنباء! ناهيك عن المزايا الأخرى، من تعليم الأبناء، وتطبيبهم، وتذاكر السفر على الدرجة الأولى، وبدلات المُهمات، وغيرها. طبعاً لا نُنكر أن للمؤسسات الإعلامية ظروفها في اختيار موظفيها، ولكن إن كان كبار المسؤولين فيها من غير القطريين، فلا شك أنهم سوف يؤثِّرون على قرار التوظيف! ولكن في المقابل، أليس من حق القطري القادر على تحمّل المسؤولية، العارف بخفايا الإعلام، أن يكون بنفس مستوى تلك الموظفة؟! ماذا ينقص القطري، وهنا أتحدث عن الإنسان المؤهل، المُبدع، القادر على التعامل مع معطيات العصر الإعلامية، والذي يتقن لغة الإعلام، وما أكثر مَن لا يُتقنها هذه الأيام!. لقد نَفعت تلك الحلقة من (ما خفيَ أعظم) في لفت النظر إلى قضية مُهمّة، ظلت طويلاً ضمن (التابوهات) في عالم الإهمال والنسيان! فكمّ من موظفٍ ظُلمَ تعسفياً في حرمانه من حقه في الوظيفة التي كفلها له الدستور، والإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان، ودون أية مبررات! نعم، الموظفُ المُهمِل، غيرُ الملتزم بمواعيد العمل، غيرُ القادر على تطوير ذاته، أو تقديم إبداعات، ولربما المُعتل الصحة، يُمكن أن يُحال إلى التقاعد، وهذا أمرٌ مُبرَّر، ولكن الغريب أن تتم إحالةُ موظفٍ أو موظَفين، أكفاء، متوقدي الفكر، يُتقنون فنون المهنة، وأثبتوا كفاءةً واضحةً في مجالهم، وقدّموا إبداعاتٍ ملموسةً، إلى التقاعد عبر خطاب يأتي به صبيُّ الشاي، ودون كلمةِ شُكر من المسؤول، الذي جاءت به الصُدف إلى ذاك المنصب. في الوقت الذي يتجاوز عُمر «الخبراء» و»المدراء» من غير القطريين، السبعين في تلك المؤسسات، وهم ما زالوا يتمتعون بالمزايا، ولا يُحالون على التقاعد؟!. نعم لقد نفعت تلك الحلقة التلفزيونية بطريق غير مباشر، في إلقاء الضوء على القطري المؤَهَّل، وحقه في التمتع بالمزايا الوظيفية التي تُمنح للآخرين، الذين، بعضهم لا يستحقها، بل ولا يملك هذا البعض، الحسّ الوطني أو الأخلاقي في الوفاء لمنصبه ووظيفته، وقيل في الأمثال: (ما حكَّ جلدَك غير ظفرك)؛ وأتذكَّر هذا المثل الذي قاله مسؤول إعلامي كبير في السبعينيات، من المؤمنين بحقّ المواطن في الوظيفة المناسبة!. لقد نشرت وسائلُ التواصل الامتيازاتِ التي حصل عليها الرأسُ المُدبِّر لجريمة التشويش على بطولة كأس العالم في قطر، ومساعديه من الجنسيات الأخرى، حيث تراوحت رواتبهم ما بين 142 ألف ريال وبين 80 ألف ريال، ولهم امتيازاتٌ أخرى من السكن، الذي يحلم به القطري، وتدريس الأبناء، والتأمين الصحي، وتذاكر الدرجة الأولى للبلدان التي ينتمون إليها، وتوفير عمل «ممتاز» لزوجاتهم، وأبنائهم، ولربما أحفادهم، وراتب ( Bonus ) 3 شهور كلّ عام، وتسهيل معاملاتهم خارج المؤسسة بطريقة ( V.I.P.)، كلُّ ذلك يحلم به هؤلاء في بلدانهم التعيسة، التي تنوءُ تحت أنقاض الفساد السياسي والإداري، والتخلف الاقتصادي، ونقص الخدمات، لذلك هجروها نحو مُدن النور، التي لم يتعلموا منها النور، بل الظلام والخسّة!. وقاموا بـ (رفس) النعمة، وخانوا الأمانة، وخسروا مستقبلهم ومستقبلَ أولادِهم، ولا شكَّ أنهم سينالون العقابَ الملائم، كي يكونوا عبرةً لغيرهم، مِمن هُم على شاكلتهم. لقد نادت العديدُ من الأصوات بضرورة (تقطير) الوظائف القيادية والإدارية في المؤسسات الإعلامية، وبأن تكون هنالك قوائمُ بالقطريين المؤهلين القادرين والراغبين في العمل، مِمن تمت إحالتهم إلى التقاعد دون سبب، وأن تُعرض هذه القوائم على مسؤولي تلك المؤسسات الإعلامية، التي ينقصها الكادر القطري، وبذلك نضمن استمرارية العمل، وكفاءته، وأمانة القائمين عليه. والقطري الذي خدم 25 عاماً، بكفاءة وأمانة، لا يجوز أن نحرمه من راتب جيد ووضع وظيفي مريح، لخمسةِ أو عشرة أعوام قادمة، وهو (منّا وفينا)، ويحكّ جلدَنا بأمانة!.