27 أكتوبر 2025

تسجيل

خطاب الحكمة والعقل

02 أكتوبر 2018

وضع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، عبر خطابه في الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 25/9/2018، في مدينة نيويورك، النقاط فوقَ الحروف، فيما يتعلق بالواقع المحلي في دولة قطر، وفي الواقع الإقليمي، وفي الواقع الدولي. وقد استهل سموه خطابه بالتأكيد على تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، من خلال تطبيق أحكام القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، بعيدًا عن الانتقائية وازدواجية المعايير، ورفض سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة. وهو بهذا يُشير إلى حقوق الشعوب، فيما تختاره، ورفض الانقضاض على ثروات الشعوب، وسرقة مستقبلها، وأهمية أن تكون معايير تعامل الدول مع بعضها، ومنها الدول الكبرى، واحدة، لا أن يتم "تفصيل" معايير محددة لكل دولة أو كل نزاع يحدث في العالم. الموضوع الثاني في خطاب سمو الأمير، هو حصار دولة قطر من قبل " الأشقاء" في مجلس التعاون، ومصر. وربط سموه ما حدث في المنطقة، من انتهاك حرمة وسيادة دولة قطر، باختراق وكالة الأنباء القطرية، وما تلاهُ من فرض حصار جائر، وإصدار إملاءات (المطالب الثلاثة عشر)، ثم (المبادئ الستة)! ولقد أضرَّ الحصار بالعلاقات الإنسانية التي تربط العائلات المشتركة في دولة قطر ودول التعاون بأسرها، ومضايقة شعوب الخليج والمقيمين في المنطقة، عبر إغلاق الأجواء والمنافذ البريّة، مما سبّبَ مشاكل عدة في تنقل البشر، ناهيك عن مرور البضائع الحيوية والأدوية. وكان هدف الحصار، الإضرار بأمن دولة قطر، والتضييق على شعبها، وعرقلة عملية التنمية التي قطعت فيها دولة قطر أشواطًا بعيدة عن مثيلاتها في دول المجلس، كما أشار لذلك سمو الأمير. ولقد وضعت دول الحصار قضية الإرهاب، و(الإخوان المسلمين)، كشمّاعة لتبرير حصارها الجائر، إلا أن الحقيقة كانت واضحة للعيان، بأن دولة قطر، مارست حقها — كدولة مستقلة — بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، وهذا شأن كل الدول المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة، الملتزمة بميثاقها، والقانون الدولي. ولم تُثبت دول الحصار، رغم مرور أكثر من عام ونصف العام  من فرض الحصار، تلك المزاعم، ولم تقدّم أدلّة تُدين دولة قطر. ولقد كانت الغيرة من دولة قطر، وإنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والإعلامية، ودورها على الساحة الدبلوماسية، سببًا رئيسيًا في فرض الحصار، ذلك أن دولة قطر تبوّأت الدرجات العليا في معدلات التنمية، والأمن، وضمان الحريات، في الوقت الذي تقوم فيه دول الحصار، بتمزيق وحدة شعوبها، والزجّ بالمطالبين بأدنى درجات العدالة الاجتماعية، في السجون، دون محاكمات عادلة، واستخدام الآلة الإعلامية، للترويج عن عدالة مفقودة، واقتصاد مريض، وخدمات إنسانية — لابد وأن توفرها الدولة لمواطنيها — غائبة. وبادر سمو الأمير، اتّساقًا مع الأنماط الحضارية في تعاملات الدول، والتزامًا بالقانون الدولي، إلى الدعوة إلى الحوار لحلّ كل الأزمات، مُشيرًا إلى أن قطر تجاوبت، ومازالت، " مع جميع المساعي المُقدّرة، من الدول الشقيقة والصديقة، لإنهاء هذه الأزمة (أزمة الحصار)، من خلال حوار غير مشروط، قائم على الاحترام المتبادل لسيادة الدول". هذا هو موقف دولة قطر وشعب قطر، الذي يؤمن بالحوار، لحل النزاعات والاختلافات بين الدول، بعيدًا عن "عنتريات" التهديد " الهولاكية"، والحصار، وحياكة المؤامرات لتغيير الأنظمة بالقوة، دون أخذ رأي الشعوب. ولم تفت على سمو الأمير، الإشارة إلى الضرر الواضح الذي سبّبه الحصار لدولة قطر، على مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي كان ينظر إليه العالم على أنه آخر القلاع الحصينة للأمن والسلم والاقتصاد الناجح، والمستقبل الواعد للشعوب الخليجية. فقد قال سموه، في هذا الخصوص، " لقد أضرّ الحصار على قطر بسمعة دول المجلس، وانعكس شلل المجلس نفسه سلبًا على دوره المنشود تجاه قضايا المنطقة والعالم". ودعا سمو الأمير، إلى إصلاح المجلس، "ووضع آليات ملزمة لحل الخلافات بين دوله بالحوار، بحيث لا يتكرر مثلها مستقبلا"، وتلك إشارة واضحة إلى فشل مجلس التعاون في حلّ قضايا النزاع بين دوله ولجوء هذه الدول إلى الهيئات الدولية لفضّ نزاعاتها، رغم وجود (هيئة فضّ المنازعات) التي وُلدت ميتة في هيكلية مجلس التعاون ونظامه الأساسي. وهذا يُثبت حرص سمو الأمير،  على بقاء مجلس التعاون متماسكًا قويًا، بعيدًا عن الاستقطابات والتجاذبات والاستحواذات، وأن تكون قراراته حسب النظام الأساسي، دونما هيمنة أي من الدول الأعضاء، وبما يتماشى مع مصالح شعوب المجلس، وإن تنازعت دولُه. ونحن إذ نشهد  قربَ العام الثاني على الحصار الجائر، فإن دولة قطر قد تجاوزت " محنة الحصار"، وخطّت طريقًا نحو المستقبل، بعيدًا عن الإملاءات والشروط، والمبادرات الجائرة، ورسمت خريطة طريق المستقبل لأبنائها، ولم يعد الحصار يمثل عقبة أو " عقدة" لدى أي مواطن قطري، أو مقيم. كما أن دولة قطر قد رتّبت أمورها وأقدارها، دون مجلس التعاون، ودون التفات إلى المرجعيات التاريخية/ السياسية، وتداعياتها على العلاقات بين دول المنطقة، منذ أكثر من ثمانين عامًا، ما أدّى إلى فرض الحصار!؟ تناول سمو الأمير،  في خطابه الشامل، قضايا المنطقة، بدءا من القضية الفلسطينية، والقضية السورية، ومأساة الشعب السوري، والوضع في العراق، والقضية اليمنية، ومأساة الشعب اليمني، وناشد الدول الفاعلة العمل على تخفيف آلام هذه الشعوب، والإقرار بحقّها في العيش بكرامة، وإنهاء الأزمات الحاطة بالكرامة الإنسانية، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للشعوب المنكوبة بالحروب والمنازعات. وألقى سمو الأمير،  الضوء على الأسباب الحقيقية لتنامي ظاهرة الإرهاب، وآثارها على الأمن والسلم الدوليين، مشيرًا إلى رفض دولة قطر " كافة أشكال الإرهاب وصوره، وفي أي مكان من العالم، ومهما كانت الأسباب والذرائع". كما نوّه سمو الأمير،  بقيام دولة قطر بتطوير" الأنظمة التشريعية والمؤسسية والوفاء بالالتزامات الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتمويلة، والمشاركة في كافة الجهود الدولية والإقليمية ذات الصلة، ووضع سموه شروطا محددة لنجاح الحرب على الإرهاب، في أربع نقاط. ولم تفت على سمو الأمير،  الإشارة إلى دور الشباب ومشاركتهم الشاملة في بناء بلدانهم، واصفًا إياهم بأنهم " خط الدفاع الأول لنظام الأمن الجماعي، وأحد العوامل المهمة لمكافحة الإرهاب، وبناء السلام والاستقرار". وأبدى سموه التزام دولة قطر " بتعليم عشرة ملايين طفل، وتوفير التمكين الاقتصادي لنصف مليون من شباب منطقتنا، وقمنا بالتعاون مع الأمم المتحدة، بتنفيذ مشاريع لتعزيز فرص العمل للشباب، من خلال بناء القدرات وإطلاق برامج لمنع التطرف". السؤال: ماذا يريدون من دولة قطر؟! بعد كل هذه المواقف الواضحة الجليّة، والقانونية، والإنسانية. لماذا يتم حصار دولة تسعى إلى خير البشرية، وتمدّ اليد إلى المعوزين، وتساهم — كشريك فاعل — مع المنظمات الدولية، من أجل حلّ مشكلات الملايين من البشر. ماذا يريدون، بعد كل هذه الإنجازات والمساعي والمواقف الواضحة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين، وصيانة كرامة الإنسان على هذا الكوكب؟ في الوقت الذي تزحف جيوشٌ غادرة على الآمنين، دون حق، ودون رادع دولي، وتتجاوز حدودها الآخرين، وتُنشئ لها قواعد وترسانات من الأسلحة في أراضٍ ليست ضمن حدودها؟ وفي الوقت الذي تضرب فيه الأنظمة، ومنها أنظمة دول الحصار، القانونين المحلي والدولي عرض الحائط، وتقوم بسجن علماء الدين، والمغردين، والتجار، وأصحاب الرأي، دون حق، ودون أدنى مسؤولية، في ظل غياب القانون والهيئات الحقوقية المستقلة، بل ويتم تعذيب المواطنين في السجون، دون التفات للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان. العالم يشهد اليوم إنجازات دولة قطر، ويسمع عمّا يجري في الدول التي فرضت الحصار على دولة قطر، والبون واسع بين الطرفين. إنهم يريدون تشكيل كل دول المنطقة حسب أهوائهم، ومغامراتهم، وشططهم الذي يتجاوز حقوق مواطنيهم، بل ويتسبب في إحداث شروخات في العائلات الحاكمة في تلك الدول، وهو أمر له عواقب وخيمة، لم يقرأ هؤلاء أوراقها بدقّة. وأخيرًا، نقول: "كفّوا عنا شَرّكم "، ودعونا وقيادتنا الموقرة، نعيش كيفما نشاء، ومارسوا عبثكم كيفما تشاؤون!.