16 سبتمبر 2025
تسجيلعندما ترى مهام الدولة وكثرة شؤونها وتشابكها وتعقدها وذلك نتيجة مجمل من التطورات الاقتصادية والثقافية وغيرها من الميادين المختلفة، ومع الحاجة لزيادة التشريعات، ولاستحالة تنظيم مجلس الشورى جميع هذه الموضوعات والتي تتعدد مجالاتها وذلك باتباع الإجراءات التشريعية في بسط القوانين المتزايدة يوماً بعد يوم، حيث إن تلك القوانين الكثيرة تحتاج وقتا لتنظيمها وترتيبها. وبناءً عليه صار من الضروري تدخل السلطة التنفيذية في إصدار قواعد قانونية ملزمة تتغلب على هذه الإجراءات المطوّلة، وأيضاً للتيسير والتسهيل لتلك الضروريات. لذلك، فالسلطة اللائحية للإدارة تستطيع أن تصدر القرارات وتنشئ قواعد تنظيمية تطبق على الأفراد كاللوائح. أما عن العلاقة بين اللائحة والقانون: فهناك صور تتفق فيها اللائحة مع القانون ومنها: - فاللائحة والقانون كلاهما يُعتبران قواعد عامة ملزمة. - واللائحة والقانون كلاهما مفسران متشابهان للقانون. لذلك إذا أخطأ القضاء في تطبيق أو تفسير اللائحة كان الحكم قابلا للنقض. - واللائحة والقانون كلاهما لا يمكن أن يخالفا الدستور. وهناك صور تختلف فيها اللائحة مع القانون ومنها: - التي تصدر اللائحة هي السلطة التنفيذية، أما الذي يصدر القانون فإنه مجلس الشورى. - تختلف درجة القوة بين اللائحة والقانون، فالقانون أقوى من اللائحة، فاللائحة يجب أن لا تخالف القانون، ويجب أن لا تعدل عليه أو تخالف أحكامه. من ناحية أخرى فإن الدستور أقوى من القوانين واللوائح، وبالتالي لا يجوز للوائح مخالفة القوانين والدستور، فالدستور تبنى وأعطى مجلس الشورى سلطة تشريعية. - واللوائح عادة تخضع لرقابة القضاء العادي، أما القانون فيوجد لها المحاكم القانونية والمتخصصة. لذلك.. اللوائح إجراءاتها أقل وأيسر وأسهل، كما أنها سلطة تنفيذية، تنفذ بسهولة بشرط عدم مخالفة القانون والدستور. - القانون عادة تكون صلاحياته أكبر من اللائحة، فالقانون هو الذي يخاطبها الدستور حسب ما يقرره، كما أن القانون ينظم أي موضوع، ويستطيع أيضاً مواجهته، وينظم كثيرا من الأمور بقانون. لذا.. وبناءً على ما تم بيانه، فإن طبيعة العلاقة كما أوضحنا تبين خضوع اللائحة للقانون. إذاً.. اللائحة وفقاً لهذه العلاقة التقليدية تم تحديد مجالها مقارنة بالقانون الذي لم يتم تحديد مجاله، كما أن للقانون قوة يستطيع بها أن يمنع السلطة التنفيذية من أن تتدخل باللوائح لكي تنظم مواضيع لم ينص الدستور على صلاحياتها في تنظيمه بلوائح، فإذا صدرت مثل تلك اللوائح عندها تكون باطلة ومخالفة للقانون. ولا نغفل أن هناك تغييرات قد حدثت في مجال القانون، فلن يستطيع القانون إلى ما لا نهاية في تفرده بتناول أي موضوع بالتنظيم، فإذا كانت هناك مسائل يتم تنظيمها بلوائح ولا يجوز للقانون أن يتصدى لها فإن الصورة تغيَّرت وأصبحت السلطة اللائحية هي الأقوى، والتشريع ما هو إلا استثناء. فالسلطة التنفيذية وفقاً لهذا المعنى هي التي تختص في تملك التشريع، وتمارسه باختصاص مطلق وبحرية تتشابه مع حرية مجلس الشورى في الممارسة وتشريعه حسب مجاله في الدستور. وقد لا يستطيع مجلس الشورى عملياً أن يعوق عمل السلطة التنفيذية أو يقيِّد حريتها في التصرف، لذلك يرى البعض أن العلاقة ما بين السلطة التقليدية والقانون واللائحة قد تغيَّرت، أما العلاقة ما بين القانون واللائحة فمراكزهما في النظم الدستورية للدول العربية هو نفس المركز الذي كان في النظام الفرنسي قبل تعديله بالدستور لسنة 1958 م، فلا مجال محددا للقانون والعلاقة بين اللائحة وبين علاقة ارتباط، فاللائحة بشكل عام تُعتبر أقل منه ولا تستطيع الخروج عن أحكامه باستثناء مملكة المغرب والتي أصدرت دستورها في سنة 1962 م، ونظمت العلاقة بين القانون واللائحة على طريقة الدستور الفرنسي، فجعلت للائحة مجالا أوسع ومستقلا، وأيضاً مجال خاص بها لا يجوز للقانون التدخل فيه. أما الدستور القطري فإنه نظم السلطات وأقام الحكم على أساس الفصل فيما بينها مع تعاونهما كما نصت على ذلك المادة (60) من الدستور القطري: "يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها على الوجه المبين في هذا الدستور". - المراسيم بقوانين: عادة في النظام الديمقراطي تكون سلطة التشريع لدى أعضاء مجلس الشورى فهم يعتبرون ممثلي الشعب وهذا هو مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات، حيث يكون هناك تمييز بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وعندها توكل إلى مجلس الشورى سلطة التشريع. وما إن تطورت السلطة اللائحية واتسعت إلى أن أصبح للسلطة التنفيذية الحق بأن تشرع بعض المواضيع في ظروف خاصة عن طريق (المراسيم بقوانين) وهي تعتبر لوائح ولكنها ترتفع قوتها إلى مصاف القانون، لذلك تستطيع أن تلغي أو تعدل في القوانين. المادة (76) من الدستور القطري نصت على أن: "يتولى مجلس الشورى سلطة التشريع، ويقر الموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية، وذلك على الوجه المبين في هذا الدستور". هناك حالات يجوز فيها للسلطة التنفيذية أن تمارس هذا الاختصاص الاستثنائي عن طريق إصدار مراسيم لها قوة القانون، وقد أخذ الدستور القطري بالآتي: المادة (70) من الدستور القطري: "يجوز للأمير في الأحوال الاستثنائية التي تتطلب اتخاذ تدابير عاجلة لا تحتمل التأخير، ويقتضي اتخاذها إصدار قوانين، ولم يكن مجلس الشورى منعقدا، أن يصدر في شأنها مراسيم لها قوة القانون". وتعرض هذه المراسيم بقوانين على مجلس الشورى في أول اجتماع له، وللمجلس في موعد أقصاه أربعون يوما من تاريخ عرضها عليه وبأغلبية ثلثي أعضائه أن يرفض أيا منها أو أن يطلب تعديلها خلال أجل محدد. ويزول ما لهذه المراسيم من قوة القانون من تاريخ رفض المجلس لها أو انقضاء الأجل المحدد للتعديل دون إجرائه. إذاً يجوز للأمير وللسلطة التنفيذية أن تصدر مثل تلك اللوائح في حالة عدم انعقاد مجلس الشورى وكذلك الفترة ما بين الفصول التشريعية، والحكمة قد تكمن في جعل إصدار مثل تلك اللوائح في عدم انعقاد مجلس الشورى ان لو كان مجلس الشورى منعقدا، فهو بالتالي صاحب الاختصاص، وإذا لم ينعقد المجلس فصاحب الاختصاص غير موجود، وتقوم الحكومة بذلك. لذا.. فالقيد الزمني لمثل تلك اللوائح لا شك أنها تكون ما بين الفصول التشريعية، ومابين أدوار الانعقاد. لذلك فلا يمكن للسلطة التنفيذية أن تستخدم المادة (70) من الدستور إلا في حالة غياب مجلس الشورى، وكما وبالإشارة إلى ما أسلفنا فإن الحكمة من ذلك أن مجلس الشورى هو صاحب الاختصاص الأصلي في التشريع ويعتبر من أهم أعمال مجلس الشورى وتخصصه وتستطيع أن تسن تشريعا إذا رغبت في ذلك لمواجهة الضرورة. لذلك، يجب أن تكون هناك ضرورة ملحة تتطلب اتخاذ أمور مستعجلة ولذلك سميت هذه المراسيم بقوانين بـ (لوائح الضرورة) والذي يقدر حالة الضرورة هو الأمير. لذلك يكون تقدير حالة الضرورة من عدمها متروكاً للأمير ومن ثم تحت إشراف مجلس الشورى. وسوف نكمل ما تبقى في المقالة القادمة بإذن الله. خبـير قانـوني [email protected]