20 سبتمبر 2025
تسجيلإذا ما تأملت الزمان وصروفه أدركت أن الموت ضرب من القتل. يحكي جل تاريخ العرب المقتولين فيه أكثر من الأموات، بل إن الموت نوع من القتل وليس كل القتل فالمقتولون الأحياء أضعاف من مات، الإهمال نوع من القتل كالموت تماما، التهميش قتل مؤلم ولعله أكثر إيلاما من الموت، الإقصاء، النبذ، الحرمان من الحقوق الإنسانية، كل هذه أنواع من القتل تتساوى والموت تماما وموطنها ومشاعها عالمنا العربي ومساحته التاريخية والجغرافية. هناك يموت الفرد مرة واحدة وفي عالمنا العربي يموت عدة مرات، يموت في حياته قبل أن يدفن فى قبره. هذه الجموع من البشر التي لا صوت لها ولا رأي تساق إلى الحروب دون أن تدرك القضية وتنادي الى الاصطفاف دونما إرادة وتتظاهر بمرسوم وتصفق بآخر، تأكل لتجوع وتجوع لتأكل. في عالمنا العربي قد تخرج من دائرة الإقصاء والتهميش لكن دون ضمانات تجعلك بعيدا من العودة إليه، قد تصبح مرموقا ولكن دون صك قانوني يمنعك من الانحدار إلى سلم الرق، قد تملك الكثير ولكنه عرضة للتبدد متى أخللت بقواعد اللعبة، تنمو وتعيش أنواع القتل هذه وتتكاثر في البيئة العربية لأنها بيئة ديدنها اللاقانون وقاعدتها الاتهام حتى يثبت العكس ومرجعيتها آنية مثل شمس النهار المتحولة. لقد اكتشف أبو الطيب ذلك منذ مئات السنين، فلا داعي للخوف من الموت في مثل هذه البيئة لأن أسماءه الأخرى أو مترادفاته لها نفس الطعم والنكهة والرائحة، يعجب الأغيار من تهافت الصبية على تفجير أجسادهم الغضة فى عمليات جنونية وينسون أن مترادفات مسمى الموت التي ذكرت إذا ما أطعمت زيتا دينيا تصبح بقوة قنابل البالم وقذائف الآر بى جي. فالمواطن العربي يستوي عنده الموت والحياة دونما حاجة إلى الفلسفة والمزيد من العمر والخبرة. جميع سياسات التنمية فى العالم أجمع في نهايتها تعمل على تحديد الموت المجازي بأنه نهاية التنمية البشرية فى حين أن الحياة سلسلة لا تنتهي من هذه العملية فى غياب مثل هذا التصور ينتج الموت مترادفاته، في غياب التنمية بإجمالها تصبح بدائل الموت مكانه. فيصبح هو إحداها. إذا لم تجد التنمية في أي بلد حتما ستجد الموت وضروبه. عندما لا يجد الإنسان الأفق مفتوحا له ليحلم ويأمل ويعمل لتحقيق ذاك الحلم وذلك الأمل يصبح صدره حرجا كأنما يصعد فى السماء، عندئذ تبذر البذرة الأولى فى الشعور بالموت ومترادفاته. انظروا إلى أفق مجتمع لوثر لما صاح أنا عندي "حلم" وانظروا إلى مجتمعه عندما تحقق ذلك الحلم. كم كان ذلك الأفق مرتفعا وعاليا فى حين أن شاعرنا الكبير قال بيته هذا في تحديد مترادفات وضروب الموت التي كان يعاني منها أفق مجتمعه في حينه ولم يدرك بأن هذا الوصف سيظل عنوانا لأمته بعد ذلك وأحد فنونها في صنع الضحية والتخفيف من آلامها في مواجهة مصيرها المحتوم. [email protected]