10 سبتمبر 2025

تسجيل

هل وعود ابن سلمان مثل السيف أم تشبه مواعيد عرقوب؟

02 سبتمبر 2018

في 25 أبريل 2016 دشنت السعودية رؤيتها الوطنية 2030 وسط زخم إعلامي كبير واهتمام رسمي وشعبي غير مسبوق، وعلى إثر ذلك أجرت إحدى القنوات الفضائية لقاءً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أطلق خلاله كماً هائلاً من الوعود وفرش طريقاً واسعاً من الورود، وتعهد للشعب السعودي بالثراء والرخاء وتحسن هائل في الخدمات، ووعد كذلك بعدم المساس بجيب المواطن البسيط، وأن من سيتحمل تبعات الرؤية الاقتصادية هم المواطنون الأغنياء، بينما من سيجني الثمار هم من ذوي الدخل المحدود، وزاد على ذلك بتعهده بأن السعودية ستستطيع العيش بلا نفط بحلول عام 2020. وبعد مرور الوقت ومتابعتي لوسائل الإعلام السعودية والعالمية وحديثهم عن الرؤية وتطبيقها جلست أفكر وأتساءل وأحاول أن أعثر على إجابات لكل هذه التساؤلات.  هل تسير الرؤية السعودية وفق ماهو مخطط لها وستتمكن السعودية بالفعل من العيش بلا نفط بعد أقل من سنتين من الآن؟ وبعد أن رأينا جميعا أن صاحب الرؤية يعيش في رفاهية مطلقة ويشتري أفخم يخت وأضخم قصر وأغلى لوحة، فهل ستكون مثل هذه الرفاهية متاحة للجميع؟ أم ستظل حكراً عليه وعلى المقربين من حوله؟ هل كانت الرؤية مجرد وعود تشبه مواعيد عرقوب أم أن كلمته ستكون مثل السيف وسينفذها كما وعد؟  سوف أطرح تساؤلاتي بشكل آخر، هل كانت الرؤية تعني زيادة الحقوق أم الانتقاص منها؟ هل بعد أن كانت - على سبيل المثال- مشاهدة مباريات الدوري السعودي فيما مضى بالمجان والآن بعد أن أصبح الدوري يحمل اسم محمد بن سلمان ستصبح المشاهدة مدفوعة؟ هل هذه هي الرفاهية المقصودة؟ في غمرة هذا كله، أجد علامات الاستفهام لازالت تتدافع أمامي بلا هوادة وأتساءل مجدداً إن كانت الرؤية تهدف لإنهاء طوابير الباحثين عن عمل أم إلى زيادتها، خاصة بعد أن ارتفع معدل البطالة هذا العام ووصل إلى ما يقارب 13% ؟  هل كان ابن سلمان يقصد عندما تحدث عن التقشف وربط الأحزمة هو صرف عشرات الملايين لشراء نادٍ مصري مغمور ثم التفاخر بعقد الصفقات المليونية مع اللاعبين؟ أم أن تحقيق الرؤية سيأتي من زيادة مخصصات الأسرة المالكة بنسبة 50% - في ظل التقشف - وإبقاء مرتبات الموظفين كما هي تراوح مكانها؟   من المعروف - حسب ما رصدت من وسائل الإعلام ورصد الجميع معي- أن الرؤية السعودية 2030 تضمنت خططاً كبيرة وطموحة بهدف استقطاب واجتذاب رؤوس الأموال، ولكن لماذا شهدنا وسمعنا عن هروب المستثمرين وتقلص الاستثمارات، لدرجة قيام عدد كبير من رجال الأعمال الأجانب بتسييل أسهم بقيمة تقارب 2 مليار ريال في أسبوع واحد عقب قيام السلطات باعتقال مجموعة من الأمراء وكبار التجار وفرض الإقامة الجبرية عليهم في فندق الريتز؟ هل خافوا من الاستيلاء على أموالهم، أم اعتراهم القلق من أن تتقاسم معهم السلطات الأموال والأملاك بالإكراه؟ في الحقيقة، إن الوضع يزداد غموضاً مع الأخبار التي تناقلتها الوكالات العالمية حول قيام الملك سلمان بالتدخل لإلغاء اكتتاب أرامكو، على الرغم من أن طرح الشركة في البورصات العالمية كان حجر أساس الرؤية، وهذا يعني - حسب فهمي- أن الرؤية مهددة بالإلغاء، أو أن فهمي قد يبدو خاطئاً وستستمر برغم أن الاكتتاب هو حجر الزاوية وأساسها وجوهرها؟ وهذا يجرني إلى طرح سؤال جديد، هل كان ولي العهد السعودي جاداً عندما قال في لقاء تلفزيوني شاهده الملايين أن طرح 1% من أسهم أرامكو سيهز الكر‫ة الأرضية، وتساءل هو حينها: هل سيتحمل العالم طرح 5% من أسهم الشركة العملاقة؟ فهل تراجعت السعودية عن الاكتتاب خوفاً من عدم قدرة الأسواق العالمية على التعامل مع هذا الطرح الضخم؟ أم أن التقييم الذي وضع للشركة لم يكن دقيقاً، وأنها لن تحقق المستهدف؟ والآن وبعد انتهاء مشروع الاكتتاب، هل ستفرج السلطات السعودية عن الاقتصادي البارز عصام الزامل الذي تحدث منذ اليوم الأول عن خطأ في تقدير قيمة أرامكو بـ 2 تريليون دولار (7 تريليونات ريال سعودي) وذكر أن الشركة وبكل أسهمها لايمكن أن تتجاوز قيمتها 300 مليار دولار، ثم اعتقل الرجل بعد ذلك وألقي في السجن. ‬  وعلى ذكر الاعتقالات، فقد ألقت السعودية القبض على مجموعة من العلماء وشيوخ الدين والمفكرين دون محاكمة أو حقوق قانونية، فهل هذه الإجراءات تتماشى مع ما وعد به ولي العهد السعودي بأن بلاده مقبلة على الانفتاح وتعدد الآراء والأفكار؟ وهل قيام السلطات باعتقال هؤلاء العلماء بهذه الصورة يرجع لأنهم كانوا ينفّرون الناس من الإسلام الصحيح وكانوا يشوهون صورة السماحة الإسلامية بتشددهم؟ وذلك على عكس العلماء الآخرين الطلقاء الذين تفنن بعضهم في جمع الناس على طاولات البلوت حتى أوقات متأخرة من الليل، وتحول آخرون منهم إلى الترويج والإعلان عن العطور والبخور التي تبعث الانتعاش والاسترخاء في نفوس البشر؟ وبما أن الحديث لايزال حول الحقوق والاعتقالات، فإننا قد شهدنا كيف كان رد الفعل السعودي قوياً وعنيفاً على كندا بسبب تغريدة سفارتها في الرياض التي عبرت فيها فقط عن "قلقها" إزاء اعتقالات نشطاء المجتمع المدني، وتحت نغمة "السيادة" أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانات الشجب والاستنكار وطردوا السفير الكندي واستدعت الرياض سفيرها في أوتاوا ومن باب السيادة كذلك ألغت السعودية ابتعاث الآلاف من الطلاب وقطعت على الكثيرين رحلات العلاج وأمرتهم بالعودة فوراً دون أن تضع في اعتبارها ظروفهم الدراسية والمرضية، بل وهدد أحد المواقع التابعة للحكومة السعودية كندا بكارثة تشابه أحداث 11 سبتمبر، في الوقت نفسه استغربت أن "السيادة" السعودية ماتت عندما أصدرت أمريكا عدداً من بيانات الإدانة بخصوص المعتقلين، وخاصة أن أمريكا كانت حادة في صيغة الانتقاد ووصفت ما تقوم به السعودية بأنه اعتقال خارج القانون، وكنت أتوقع أن تكون السيادة واحدة لا تتجزأ وأن تقرر الرياض طرد السفير الأمريكي وتستدعي سفيرها في واشنطن وتوقعت أن تطالب آلاف المرضى والطلاب بقطع علاجهم ودراستهم والعودة فوراً، أسوة بما فعلته مع كندا، فهل السيادة كاملة مع كندا ومعدومة مع أمريكا؟   ‬  وعلى الجانب الآخر من اعتقالات "المتشددين " تضمنت الرؤية كذلك تبشيراً ببدء عصر السينما والترفيه، ثم تفاجأت كما تفاجأ غيري بأن شركة إماراتية هي من ستتولى تشغيل ما يزيد على 300 دار عرض في أرجاء المملكة وتستفرد بكعكة ضخمة ستدر عليها ما يزيد على 22 مليار دولار، فهل كان من الصعب تأسيس شركة مساهمة سعودية للقيام بهذا الدور؟ وهل ستعمل هذه الشركة الإماراتية لمصلحة السعودية أم مصلحة بلادها؟ وهل ستسعى هذه الشركة لخلق 30 ألف فرصة عمل كما وعد محمد بن سلمان؟  والآن، هل توجد استفادة فعلية من هذه الرؤية بعد مضي أكثر من 3 سنوات على إعلانها؟ هل تغير حال ذوي الدخل المحدود أم ازدادوا فقراً وازدادت تكلفة الحياة عليهم؟ هل انطلقت هذه الوعود من قواعد اقتصادية سليمة، أم أنها كانت من وحي الخيال؟ هل كان الكلام وردياً جميلاً وواقعياً، أم كان صرحاً من الخيال ومجرد مسكنات ومهدئات تعبث بالعقول والقلوب؟ هل جرت الرياح بما تشتهيه سفن ابن سلمان، أم أنها تحطمت قبل أن تبحر ولم تتحقق من هذه الخطط إلا عكسها تماماً؟  من وجهة نظري، فإن الأجوبة ليست بهذه السهولة، ولن أستطيع شخصياً التوصل لإجابات وافية لها، وبما أن الجميع يسمع ويتابع وسائل الإعلام، فإننا نرى في الوقت ذاته حكاماً ورؤساء وأمراء يعدون شعوبهم بالرخاء وزيادة جودة الخدمات ونجدهم يسعون لتحقيق ذلك بكل ما أوتوا من قوة، ويسخّرون كل إمكانيات دولهم من أجل رفاهية شعوبهم وفوق ذلك سعياً للوفاء بوعودهم وعهودهم التي صدقها الشعب.  من جانب آخر فإن الأخبار التي تنقلها وسائل الإعلام الأجنبية التي تدعي وجود تناقض في تناول السعودية للملفات السياسية كثيرة ولكنني قررت ألا أصدقها فهي وسائل إمبريالية مغرضة، وأنا قد صدقت ولي العهد السعودي عندما استبعد التفاهم مع الحوثيين وأنه سيمنعهم من التحول إلى حزب الله آخر، وأكذب اللواء أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات الذي ظهر بعدها بـ 4 أيام ليناشد المجتمع الدولي للمساهمة في إيجاد حل سياسي في اليمن، ومن حقي ألا أصدق وخاصة أن قناة العربية التي اعتدنا منها الكذب هي من نقلت ذلك بالإضافة إلى أن حملة ابن سلمان على الحوثيين والحرب عليهم منذ 3 سنوات جاءت بسبب عدم قبول السعودية للحل السياسي معهم ولو كان هذا الحل مقبولاً فلماذا الحرب إذاً ؟ ولماذا الخسائر في الأرواح والأموال في حرب عبثية والحل موجود؟ .  أما صفقة القرن فهي المستحيل بذاته ، ولا يمكنني تصور أن تقوم السعودية ببيع القضية الفلسطينية حتى وإن نشرت وكالة رويترز ما  يؤكد ذلك، وهذه الوكالة العالمية نقلت عن مسؤولين فلسطينيين أواخر شهر يوليو الماضي قولهم إن الأمير محمد بن سلمان مارس ضغوطاً على الرئيس الفلسطيني ليقبل بالخطة الأمريكية التي أسمتها وكالة سبوتنك الروسية بـ “ صفقة القرن” التي تنهي حلم الفلسطينيين بإقامة دولتهم ونسف مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية نفسها في عام 2002  وربما فبركت مجلة أتلانتك الأمريكية تصريحاً لـ ابن سلمان في 3 أبريل 2018 الماضي حيث “ ادعت” المجلة أنه قال: “من حق الإسرائيليين العيش بسلام على أرضهم” وتشكيكي يأتي من عدم قدرتي على استيعاب كل هذه التناقضات فمن المستبعد أن تطرح السعودية مبادرة للسلام على أساس قيام دولة فلسطينية ثم تروج لصفقة تنهي هذا الحلم الفلسطيني!. كذلك فإنني أميل لتكذيب صحيفة واشنطن بوست التي نقلت في 23 مارس 2018 تأكيدات ابن سلمان بأن “ حلفاء السعودية هم الذين طلبوا استخدام الفكر الوهابي ضمن الحرب الباردة للوقوف ضد الاتحاد السوفييتي” والحقيقة التي أقتنع بها هي تصريحه المخالف لذلك الذي نقلته مجلة أتلانتك الأمريكية ‪بعد 9 أيام في 2‬ أبريل الذي قال فيه: “ نحن لسنا على دراية بالوهابية، ولانعرفها ولا أحد يستطيع تعريفها ولانعتقد أن لدينا الوهابية”.  أما تصريح وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي الذي “ ادعى” فيه أن السعودية طلبت منه “ التوسط من أجل تخفيف التوتر مع طهران” فهو بالطبع فبركات حتى وإن جاء هذا التصريح من خلال مؤتمر صحفي أمام شاشات التلفزيون والقنوات الفضائية، وما يجعلني أميل لتكذيب ذلك هو ماذكرته وسيلة إعلام إماراتية من أن الأعرج "أطلق كلاماً غريباً وغير واقعي"، صحيح أنني استغربت أن يصدر التشكيك من الإعلام الإماراتي وليس السعودي ولكن لابأس فالواقع يقول إن العلاقات السعودية الإيرانية متوترة ويجب ألا ننسى في قطر أن السعودية حاصرتنا لأنها ترى أن الدوحة تملك علاقات وثيقة مع طهران ومن المستحيل - على الأقل حسب فهمي- أن تقوم بعد ذلك بالتقارب مع هذه الدولة التي بسببها قطعت علاقاتها مع قطر!.  ولذلك أيضاً أعلن تكذيبي لقناة سي إن إن التي أدعت أن لقاءً نادراً حدث بين محمد بن سلمان ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدري العراقي، وأكذب ذلك على الرغم من وجود صورة لهما معاً‫، ‬أما موقع سبوتنك نيوز الروسي فقد بالغ قليلاً حين أضاف أن مقتدى الصدر قد حصل على مبلغ 10 ملايين دولار ووعد بافتتاح قنصلية سعودية في النجف وكذلك حصل مكتبه على تأشيرات خاصة لأداء فريضة الحج! ومن الحج تظهر ملامح أكبر تناقض في التاريخ إلا أنني هذه المرة أصدقه، وكان حجاج قطر من ضحايا هذا التناقض الصارخ‫، ولم يكن لهذا الوضع ما يبرره، وأستغرب الكثير من المسلمين وضع العراقيل أمام حجاج قطر من مواطنين ومقيمين بسبب “ علاقات قطر مع إيران” وفي المقابل رأينا الاستقبال الحافل بالورود للحجاج الإيرانيين وقيام السلطات السعودية وعلى الرغم من قطع العلاقات بتخصيص مكاتب إيرانية لتسيير مصالح حجاج إيران في الوقت الذي رفضت فيه السعودية فتح مكتب مماثل لتسهيل مصالح حجاج قطر، ولم يتوقف التناقض عند هذا الحد فقد نشرت وسائل الإعلام السعودية مراراً وعاونتها أبوظبي والبحرين مزاعم بأن قطر منعت سفر حجاجها ووصفت ذلك بـ “التعنت” بينما وجدنا قناة الإخبارية السعودية الرسمية وشقيقتها العربية تنقلان وعلى الهواء مباشرة لحظات وصول دفعات من الحجاج القطريين إلى مطار جدة وهم بلباس الإحرام!  فهل أصدق من قال إن قطر منعت أم نصدق من قال إن حجاج قطر وصلوا وأدوا الفريضة؟‬ أسئلة كثيرة مشروعة تبحث عن أجوبة مقنعة وواقعية، ولكن السؤال الكبير الذي لايزال يدور في ذهني: هل وعود ابن سلمان مثل السيف أم تشبه مواعيد عرقوب؟.