11 سبتمبر 2025
تسجيلاستحوذت الأزمة اليونانية وعدم قدرة حكومة اليونان على سداد ديونها المتفاقمة لدائنيها، ثم توصل ترويكا الدائنين لتبني خطة إنقاذ ثالثة لها مقابل التزامها بتنفيذ بعض الخطط والبرامج التقشفية الأكثر صرامة، على اهتمام العالم أجمع خلال الأسابيع القليلة الماضية... إلا أن العديد من الخبراء يرون أن هناك مشكلة أخرى لا تقل خطورة على أوروبا واقتصاداتها من الأزمة اليونانية وإن لم يتم تسليط الضوء عليها بالأهمية الواجبة، ألا وهي الأزمة الأوكرانية الآخذة في التطور والتضخم والذي أصبح وضعها الاقتصادي في غاية الحرج والصعوبة ومعرضاً لمزيد من التدهور والانهيار، ومن ثم تزايد احتمالات تعثر الحكومة الأوكرانية عن سداد ما عليها من قروض وأعباء خدمة الدين من فوائد مدينة وأقساط. هذا وقد انكمش الاقتصاد الأوكراني في عام 2014 بنسبة 5% ومن المتوقع انخفاضه هذا العام بنحو %10، كما توقف ضخ المزيد من الاستثمارات الأجنبية بالبلاد "خاصة في مجال الطاقة" حيث توقف مشروع تطوير حقول الغاز الصخري الذي كانت تخطط لتنفيذه شركتا "شل وشيفرون"، وتوقفت كذلك إمدادات البلاد من الفحم الوارد من منطقة "دزنباس" الواقعة تحت سيطرة الانفصاليين المواليين لروسيا والتي يقدر عدد مناجم الفحم بها بأكثر من 300 منجم، كما أثر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم سلباً على إمدادات الغاز إليها. ولقد اضطرت الحكومة الأوكرانية مع نقص مصادر الطاقة المتاحة أمامها إلى استيراد كميات كبيرة من الغاز والفحم من أستراليا وجنوب إفريقيا وبعض الدول الأخرى، ومن ثم اضطرارها لسداد دفعات مقدمة بالعملات الأجنبية لهذه الدول، مما أدى إلى تنامي مديونياتها بالإضافة إلى زيادة أعباء خدمة الدين، مما دفعها إلى الإعلان بأنها على شفا التعثر عن سداد بعض أو كل ديونها مدعية بأن معظمها إنما هي ديون بغيضة سبق وأن اقترضها النظام السابق ولم توجه لخدمة أبناء الشعب الأوكراني وإنما لتدعيم سلطاته في قمع أبناء المجتمع... وهو أمر سوف يجبر دائنيها والآخرين في حالة تمسكها بوجهة نظرها تلك على عدم تقديم أية قروض جديدة إليها، بالإضافة إلى هروب الاستثمارات الأجنبية منها، والتي هي في أمس الحاجة إليها لإيقاف نزيف تراجعها الاقتصادي. ورغم تهالك وتقادم محطات الطاقة النووية والشبكات الكهربائية بأوكرانيا، إلا أنه مازالت توجد بها الكثير من الفرص والإمكانات الضخمة للاستثمار في مشروعات كفاءة الطاقة التي يمكن أن تخلق آلاف الوظائف بالإضافة إلى توفيرها لإمدادات الطاقة للمستخدمين المحليين، وتحد كذلك من عبء تكاليف الاستيراد من الخارج، بل يمكن لها مع مرور الوقت أن تقوم بتصدير الكهرباء إلى بعض الدول المجاورة، لتصبح الطاقة جزءاً من الحل بدلاً من كونها حالياً جزءاً من المشكلة. ويرى الكثير من الخبراء والمتخصصين أن الخطورة الحقيقية من احتمالية تعثر أوكرانيا تتمثل في هجرة آلاف الأوكرانيين "خاصة الشباب منهم" في هجرة شبه جماعية إلى أوروبا بحثاً عن فرص عمل وفرص حياة أفضل عبر الدول الأوروبية المحيطة بها كالمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا ومنها إلى الدول الأوروبية الأكثر غنى، وهي بالطبع ستكون أعداداً أكثر كثيراً من أعداد المهاجرين الحاليين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط من إفريقيا وآسيا، وما سوف تحدثه هذه الأعداد الأوكرانية من فوضى وذعر وخلط للأوراق بجميع الدول الأوروبية خاصة الغنية منها. ولتجنب هذا الوضع الاقتصادي الأوكراني الخطير والحرج فقد عُقد في واشنطن هذا الأسبوع مؤتمر استثماري عالمي موسع يهدف إلى تشجيع الاستثمار في أوكرانيا، وإن شكك البعض في أهمية وجدوى هذا المؤتمر في ظل تفاقم مشكلة المديونية الأوكرانية واحتمالية تعثرها عن سداد مديونياتها... وهو الأمر الذي دعا صندوق النقد الدولي وبعض مقرضيها من القطاع الخاص إلى دراسة إمكانية تقديم حزمة جديدة من القروض لإعادة هيكلة ديونها، وإن اشترطوا قبل ذلك ضمان وجود استثمارات فعلية تتيح للبلاد الحصول على إيرادات مالية بالعملات الأجنبية تمكنها من سداد ديونها القديمة والجديدة. ويرى البعض الآخر من الخبراء أن الأمر يبدو أكثر صعوبة في ظل الدعم والتمويل الروسي الكامل والمفتوح للانفصاليين الأوكرانيين في شرق البلاد وذلك رغم العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها وإن لم تنهكها بشكل كامل، ويؤكد هؤلاء الخبراء على أن أوروبا لن تكون مستعدة للدخول في حرب اقتصادية طويلة الأجل مع روسيا من أجل أوكرانيا خاصة مع بدء الفلاحين (المزارعين) الفرنسيين والبلجيك من تنظيم المظاهرات العارمة وقطع للطرق نتيجة لانخفاض أسعار بيع الألبان والمواد الغذائية بسبب انخفاض الطلب عليها ومنع التصدير لروسيا في نطاق العقوبات الأوروبية، إلا أنها رغم ذلك تسعى بشدة لمنع تدهور وانهيار الاقتصاد الأوكراني على اعتبار أن هذا يعني تعريض الاقتصاد الأوروبي كله لمزيد من المعاناة والضعف الذي أبعد ما تكون أوروبا في حاجة إليه في ظل ظروفها الصعبة الراهنة.