19 سبتمبر 2025
تسجيللم ينحسر أو يتراجع سقف الحرية الإعلامية في مصر بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو، بل انحدر إلى الهاوية وسقط سقطة مدوية لسببين، أولهما ذلك الاستقطاب السياسي الذي جعله شقا مباشرا في النزاع، وثانيهما أنه عزل أصحاب المهنة الشريفة واستبدل الكثير منهم باستخدام عدد من"القوّاد" و"العواهر" لمواجهة معارضيهم ومواجهة الشرفاء بأسلوب ساقط يعبر عما ينضح به إناؤهم، بل وتربع بعض الساقطين على عرش الإعلام في مشهد مخزٍ حول ساحات الحقيقة الى أفلام بطولتها لممثلي وممثلات "الأسرّة وقمصان النوم". أصبح الانحدار الإعلامي مرادفا للانحدار السياسي في مصر، فأصبح "إعلام الهشّك بشّك" رديفا — في أسف عربي بالغ — لعهد عساكر اليوم ليخلد المثل العربي القائل": الطيور على أشكالها تقع" لتحطم ما خزنته أذهاننا من صورة جميلة حكاها لنا آباؤنا عن هيبة العسكر سابقا في " (مَصْرُ) "التي في خاطري"التي عبر عنها الشعراء وتغنت بها ام كلثوم ليشطح بنا عسكر اليوم من مصطلحات "القوة" إلى مقاييس "فتوة الفحولة" بمعجم العهر الإعلامي والسياسي ومترادفاته. وعلى الواقع حصد انقلاب العسكر في مصر أرواح عدد من الصحفيين في الوقت الذي زج بالعديد منهم في السجون، هذا وقد اخترق عددا من المواقع لصفحات التواصل الاجتماعي وأوصد البث الفضائي بعد ان ختم مكاتب البث الأرضي بالشمع الأحمر واعتقل من فيها ولاحقهم وما زال في سابقة هي الأولى من نوعها لحركة قمعية تدعي أنها ثورة، ولتسلط يزعم انه ديمقراطية. قد تُدان في مصر العسكر لمجرد حملك كاميرا أو قلما أو حتى هاتفا ذكيا، إذ تحولت الكاميرا في العصر الرقمي إلى تهمة جنائية بالطبع وفق اجندات سياسية لجهة الاتهام خصوصا اذا احيلت الثورة الرقمية وثورة الحريات لدى ثائريها وبذات أدواتها الى ثورة قمع تعود الى العصر النازي. وكنتيجة حتمية للتعقب التعسفي قُتل ثلاثة صحفيين، وتعرض عدد كبير من الإعلاميين الدوليين للاعتداء، هذا واستمر احتجاز عشرة صحفيين يعمل ستة منهم في شبكة الجزيرة منهم المصور محمد بدر والمراسل عبد الله الشامي، فضلا عن فريق للجزيرة يتكون من المراسل واين هاي والمصور عادل برادلو والمنتجَين روس فين وباهر محمد، ومتين توران من هيئة الإذاعة والتليفزيون التركية دون تهم تذكر. فضلا عمن تم احتجازهم من قناة (فرانس 2) الفرنسية والصحفي الألماني المستقل وغيرهم ممن تم اطلاق سراحهم فيما بعد. كما تعرضت مكاتب مؤسسات إعلامية أخرى لمداهمة قوات الأمن المصرية. وفي مفارقة وطنية لم يسلم حتى مدير مكتب جريدة الأهرام الحكومية "ثامر عبدالرؤوف"من القتل الأعمى الذي فتك به في مظنة اختراق معارضين لكسر حظر التجوال في ظل سياسة اقصائية بحتة، إذ أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية بيانا استنكرت فيه تغطية وسائل الإعلام الأجنبية لأحداث مصر هذا دون أية مبررات قانونية أو مهنية أو أخلاقية بهدف منع كل من تسول له نفسه تغطية الرأي الآخر. وبعد موقف العسكر من إغلاق ومصادرة مكاتب الجزيرة أصدرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في 28 أغسطس مجددا بيانا أعلنت فيه أن قناة الجزيرة مباشر مصر قد أصبحت محظورة. قناة الجزيرة وقفت لنصرة صحفييها المعتقلين في "جوانتانامو" العرب منوهة بالمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالحقوق والحريات ودعم قضية الحرية هذه كغيرها من قضايا الاعتداء على حرية الكلمة. وانبرى لها قسم الحريات وحقوق الإنسان الذي يرأسه الزميل المناضل سامي الحاج، المصور الذي تجرع ذات الكأس لسنوات عجاف في جوانتانامو أمريكا بجريرة حيازته لأسلحة الدمار الشامل "الكاميرا الحرة". كما ضج الاتحاد الدولي لحماية الصحفيين ومنظمة مراسلون بلا حدود، بل ووقفت رابطة مراسلي مصر رغم انها "تحت التأسيس" فاستنكرت احتجاز الصحفيين بدءا من البدر في مطلع الأحداث ببيان:(لا لحبس الإعلاميين أثناء تأدية أعمالهم ). كما أقام الصحافيون المصريون مبكرا وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحفيين، منددين بتهمة حيازة الكاميرا في عرف الصحافة الحرّة في قولهم: "قالوا حرية... قالوا قانون.. والصحفيين جوا السجون". " محمد مصور مش بلطجى، ". وعبروا في لافتة: "محمد متّهم بحيازة كاميرا، قالوا زمان عوزِنها ثورة قتلوا الصحفي وحبسوا المصور". إن ما يحدث في مصر العروبة اليوم ليس انتهاكا صارخا لحرية الرأي والتعبير بل انتهاك للأخلاقيات والقيم التي جعلت "العهر" بوقا للعسكر وما سواه خلف قضبان السجون. لجنة حماية الصحفيين الدولية أصدرت تقريرا بعنوان "حرية الصحافة في مصر في خطر " ولكن الحقيقة: "أن مواثيق الأخلاق في مصر في خطر " إنسانيا وإعلاميا وسياسيا، عندما تركتْ ابواقا تقودها الطبلة والخلخال وهز الوسط. ودووقي يا مزيكا..... لبعض قوم من أمتي قيل إنهم "تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا.." هذا ونحيي منهم أقواما هم حقا كما صدحت كوكب الشرق: يعيشون كراما تحت ظل العلمِ... ويفتدوها بالعزيز الأكرمِ الذين دعوا إلى حق الحياة لكل من في أرضها وقالوا يا دولة الظلم انمحي وبيدي.... ممن لا زالوا على عهد الوفاء....لنصرة الحق المبين.... لتك الحبيبة "مصر التي في خاطِري" وخاطِر الكرام من أشراف العرب.