20 سبتمبر 2025
تسجيلمع إسقاط نظام العقيد القذافي غير مأسوف عليه (باستثناء بعض بقاياه) تبدأ مرحلة جديدة في ليبيا، مرحلة محفوفة بالمخاطر ومفتوحة على احتمالات عديدة, فالمجلس الوطني الانتقالي يفتقد إلى برنامج عمل مدروس لمرحلة ما بعد القذافي إلا من خلال تصورات وطنية وديمقراطية عامة، كذلك فإن القوى العديدة المنضوية تحت ائتلافه, متباينة في رؤاها لمستقبل ليبيا, فهي تتراوح بين الأصولية الدينية, مروراً بأحزاب وطنية قومية وصولاً إلى الأخرى اليسارية، بالرغم من ضعف البنى التنظيمية لهذه الأحزاب، التي لم نسمع عن غالبيتها سابقاً، الأمر الذي يعطي الانطباع بحداثة تشكليها أي ما بعد بدء ثورة 17 فبراير. التناقض بين القوى المشكلة للمجلس الوطني الانتقالي الليبي, كبير إلى الحد الذي أدى إلى اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس القائد العسكري لقوى الثورة التابعة للمجلس.مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس, لا ينكر بدوره وجود التناقضات الجوهرية الأساسية بين الأطراف، لذلك وفي توجيهاته لقوات الثورة التي دخلت العاصمة طرابلس، حذّر من قوى أصولية دينية تعمل من أجل مصالحها ومكتسباتها الذاتية بعيداً عن المصالح العامة للشعب الليبي.في نفس السياق يأتي تصريح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي راسموسين قبل بضعة أيام, والذي يدعو فيه إلى إبقاء ليبيا بلداً موحداً، كما يدعو إلى المصالحة, وعدم الانتقام, والابتعاد عن الاقتتال الداخلي.من هنا تكون إمكانية التوقعات والسيناريوهات المختلفة للمستقبل الليبي برمته, فالناتو لم يقم بعملياته العسكرية في ليبيا حفاظاً على حقوق الإنسان الليبي، ولا لتجنب قتل المدنيين، فالطائرات العسكرية الأمريكية قامت بغارات جوية على العاصمة طرابلس في أواسط الثمانينيات وتسببت في قتل وجرح المئات من المدنيين الليبيين وهي قتلت مدنيين في طلعاتها الحالية، ثم إن إسرائيل تقوم بقتل الفلسطينيين يومياً, وبخاصة بعد عملية إيلات، وتمارس قتل العرب في لبنان وغيره من الدول العربية في الحروب التي تشنها، ولم يتحرك الناتو. تدخل الناتو في ليبيا, جاء من أجل مصالحه ومن أجل فتح الخيوط مع المجلس الوطني الانتقالي، فالثروة الليبية من النفط والغاز, تشكل إغراءً للولايات المتحدة والدول الأوروبية من أجل التحكم فيها، كذلك فإن هذه الدول حريصة على منهجية السياسات العامة للمجلس الوطني الانتقالي، لذا، ضغطت على رئيسة وأعضاء قيادته من أجل فتح الخطوط مع إسرائيل، وهذا ما قام به المجلس, من خلال زيارة قام بها فيلسوف يهودي فرنسي إلى إسرائيل وحمل تطمينات(كما صرّح بذلك) لإسرائيل من قبل رئيس وأعضاء المجلس الانتقالي الليبي . فرنسا تتصرف وكأنها صاحبة الأمر في ليبيا، لذلك ليس غريباً أن ترتفع الأعلام الفرنسية في أيدي بعض الثوار الداخلين إلى طرابلس. من جانب ثانٍ، فإن المجتمع الليبي لا يزال قبلياً في الكثير من شؤونه, بمعنى أن الولاء للقبيلة يحتل حيّزاً مهما من تفكير وصياغة المواقف، لغالبية الليبيين، فليس سرّاً أنه ومع بدء ثورة 17 فبراير انقسمت القبائل بين تلك المؤيدة لنظام العقيد القذافي والأخرى المساندة للثورة . هذا الانقسام سيلعب دوراً في صياغة مواقف المجلس في المرحلة الجديدة، إضافة إلى إمكانية الخلاف على اقتسام "كعكة السلطة" بين قوى وأحزاب ليبية (يصل تعدادها وفقاً لتصريحات أعضاء في قيادة المجلس، إلى ما ينوف عن الـــ 40 حزباً وجماعةً). بالتالي لنتصور حجم التباينات بينها، وبخاصة أن أحزاباً كثيرة منها، لها ارتباطات بالعديد من العواصم الأوروبية وبالولايات المتحدة، الأمر الذي يُلقي بثقله على المرحلة القادمة، فإذا كانت هذه الأحزاب والجماعات لم تقبل بوجهة نظر سياسية واحدة في مرحلة إسقاط القذافي (والمفترض أن هذا الشعار يوحد سياساتها)، فكيف بالوصول إلى قواسم مشتركة بينها في مرحلة ممارسة السلطة؟. من السيناريوهات المطروحة أيضاً، ونتمنى أن لا يحدث ذلك, هو إمكانية ما يتوقعه بعض المراقبين,من وصول التناقضات بين القوى إلى مرحلة الاقتتال الداخلي، كما أن بعضها، وبفعل عوامل عديدة قد يصل إلى التهديد بممارسة الانفصال عن جسد الدولة، وبخاصة إذا لم يتم الاستجابة لمطالبه، وهذه مرحلة خطيرة سيكون لها تداعياتها الكثيرة والكبيرة، أقلها: دخول قوات برية من حلف الناتو إلى ليبيا, بحيث يتكرر ما جرى في العراق من احتلال قوات أجنبية لبلد عربي، والتحكم في ثرواته كما في سياساته، والأنباء تدور عن وجود قوات خاصة بريطانية تقوم بملاحقة القذافي . من زاوية ثانية؛ دعت فرنسا إلى عقد مؤتمر دولي في باريس حول مستقبل ليبيا، وهو ما يؤشر إلى إمكانية تعرض هذا البلد العربي إلى مؤامرات واستهدافات تؤجج الصراعات البنيوية بين قواه وأحزابه وقبائله ومختلف أطرافه المكونة لنسيجه الاجتماعي, ومن بينها استهدافات ومخططات إسرائيلية صهيونية. الأولى من تدخل باريس ولندن وواشنطن في الشأن الليبي، أن تبادر الدول العربية إلى عقد مؤتمر تشاوري فيما بينها على مستوى مسؤولين كبار ومن خلال الجامعة العربية حول ليبيا، وتقييم احتمالات المرحلة القادمة فيها، ومستقبلها، وذلك لقطع الطريق على أي مؤامرات على ليبيا، ولمساعدة المجلس الوطني الانتقالي في الخروج من مخاطر تهدد وحدة أراضي ليبيا وحدة النسيج الاجتماعي للشعب الليبي.