11 سبتمبر 2025

تسجيل

حياة أخرى

02 أغسطس 2024

في أحد أيام الماضي الجميل وخلال فصل الربيع المشمس جلستُ تحت ظل شجرة قديمة في حديقة صغيرة على أطراف ريفنا الهادئ. كانت الحياة متواضعة والأفكار نقية والأمنيات صادقة. كان لدي أحلام كثيرة وبسيطة لكنها كبيرة في نظري، بيت صغير وحديقة مليئة بالأزهار وكوخ خشبي دافئ مليء بالكتب. كنت أرى نفسي في تلك الحياة أعيش بسلام محاطا بالأشياء التي أحبها. أمنيتي الكبرى كانت أن أكون طبيبا، أداوي أهالي الحي وأعطف على صغيرهم وأعتني بكبيرهم. كان ذلك نابعا من مفهوم الإنسانية والعطاء المزروع في داخلي. هكذا تربينا في بيتنا وفي معظم بيوت الحي. أن سعادتنا تكمن في العطاء. لكن القدر كان له رأي آخر، بدأت الأمور تتغير شيئا فشيئا، والظروف تتعقد. انتقلت إلى بلدة اخرى للدراسة وفي تخصص أكاديمي مختلف عما تمنيت. بدأت حياتي تأخذ مسارا جديدا لم أتوقعه، كان عليّ التكيف مع بيئة جديدة وطريق مختلف من المعرفة، بعيدا عن الحديقة الصغيرة والبيت الذي حلمت به وأمنيتي بأن أكون طبيبا. في المدينة الجديدة، عاهدت نفسي أن أمضي قدما ولا أتوقف وإن تغير الطريق فالهدف يبقى واحدا، بدأت بالتركيز على تحقيق النجاح في مجالي التعليمي الجديد. أصبحت الأيام تمر بسرعة ومع كل يوم كانت الأمنيات التي نسجتها تبتعد أكثر وتقترب من طريق آخر. تفوقت في دراستي، عاما بعد عام حتى تخرجت من الجامعة. وعدت إلى أهلي وبلدتي بأفكار جديدة لم تختلف كثيرا عن السابقة ولكنها كانت أكثر نضجا وأمنيات مختلفة لم تكن أجمل من التي كانت ولكنها مليئة بالتحديات. حصلت على عمل في إحدى المؤسسات العريقة في العاصمة، وبدأت حياتي المهنية الجديدة المليئة بالمفاجآت والتطلعات وسط المدينة الصاخبة والمزدحمة. بدأت أرى العالم من منظور جديد، كانت هناك لحظات فرح وفخر، ولكن في نفس الوقت كانت هناك دائما زاوية صغيرة في قلبي تتوق لتلك الحياة البسيطة التي حلمت بها. مرت السنوات وتزوجت من امرأة رائعة أضاءت النور لحياتي وطريقي. ازدهرت حياتي الشخصية والمهنية، كنت أقف أمام نافذة مكتبي أحيانا وأتذكر الأيام التي قضيتها في بيتنا وأمنياتي تحت تلك الشجرة في الحديقة. لم تكن الحياة التي حصلت عليها سيئة، بل كانت مليئة بالأحداث والإنجازات بطريقتها الخاصة ولكنها مختلفة عما تمنيت. ومع تسارع المطاف، لم أتخل يوما عن شغف العطاء ومساعدة الآخرين. وأدركت أن الله يمنحنا ما نحتاجه وليس دائما ما نريده، وتعلمت أن أقدر اللحظات الجميلة التي عشتها والأشخاص الذين شاركوني الرحلة. ربما لم أحصل على الحياة التي حلمت بها تحت ظل تلك الشجرة، ولكن الله اختار لي حياة مليئة بالتجارب والمغامرات، وجعلني أكون الشخص الذي أنا عليه اليوم. وفي كل مرة أزور فيما بلدتي وأجلس تحت نفس الشجرة، أبتسم لتلك الأمنيات التي كانت، وأشكر الله على الحياة التي قدمها لي بكامل تفاصيلها الجميلة وغير المتوقعة.