23 سبتمبر 2025
تسجيلكل عام والجميع بخير يمضي عيد ويرحل آخر، بالأمس كان بيننا أناس ورحلوا، وكانت بيننا قيم جميلة ورحلت، بالأمس كان للقدس حماة ورحلوا، وللدين وللفكر حماة ورحلوا، لم تمنعنا كورونا من ممارسة الاستشعار بفرحة عيد الأضحى، التبريكات والأضاحي والعيدية ما زالت قائمة، والأغاني والأهازيج باستقباله متداولة، وإن اختلفت الوسائل في زمن الكورونا إلا أن العيد يبقى له رونقه وفرحته. كما لم يمنعنا الحصار الجائر من ممارسة التكبيرات والتعايش مع أجواء شعائر الركن الخامس، فالحياة مستمرة بفرحها وحزنها وإرهاصاتها السياسية والفكرية، وبالطغاة والجبابرة وأهل الفساد، فحين نرى عن بعد مكة المكرمة والحجيج وهم يطوفون بجوارها، والحمائم تطوق رؤوس الملبّين فرحة بهم، والصفا والمروة تزج بصوت المهللين والمكبرين، والأيادي تحتضن الجمرات الصغيرة لرميها، ولو بطرق احترازية ومتباعدة نستشعر بالحنين والشوق، كما نستشعر بالألم من جرم الحصار الجائر الذي منعنا من تأدية الركن الخامس من أركان الإسلام. إنه أشد ألماً وأعمق جرحًا من الحصار والمنع الذي ابتليت به الأمة الإسلامية جمعاء جراء جائحة كورونا، التي فرضت على الجميع التباعد البشري حتى في تأدية المشاعر الدينية كما هو التباعد الأسري. …. يأتي عيد ونودعه ومع الوداع نأمل بعيد قادم أفضل، وبمستقبل أفضل، في الماضي كانت القدس الشريف مسرى النبي صلى الله عليه وسلم هي الأمل الذي يراودنا لتحريرها من أيادي الصهاينة، تغنينا بها ودفعنا من أجلها ولو الجزء اليسير من ممتلكاتنا الخاصة المتواضعة، وكانت شوارع العالم العربي والإسلامي تعج بمظاهرات ولافتات تطالب بعودتها والدفاع عنها، حين كانت العقيدة الدينية متمكنة في النفوس والعقول فكانت القدس كبيرة فأصبحت صغيرة، لم نعد نسمع من ينادي بتحرير المسجد الأقصى ولا القدس الشريف، واستنكار ما يحدث فيه. أُهملا وتُركا ليحتميا بأحضان المرابطين فيه والمدافعين عنه، ماذا نرى!! الحجارة الصغيرة في مواجهة المدافع والدبابات، الاهتمام بالكنائس والمعابد مقابل الاهتمام بالمساجد والمصليات، والسجون والمعتقلات مقابل المنابر والمنتديات الفكرية والثقافية، بوصلة يحرك مؤشرها الفكر والعقل الإنساني، نحو طريق مسدود، لا تُعرف نهايته. … ما بعد عيد وآخر ما الذي تغير ! الإنسان بانكساره وهزائمه وآلامه، الحكام والملوك والرؤساء بجبروتهم وطغيانهم وفسادهم، المجتمعات بتعصبهم القبلي والمذهبي والعقائدي، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، دموع الأطفال لم يتوقف نزفها، وآهات وآلام الجرحى لم يتوقف امتدادها. الجوع والمرض والجهل والفقر والهجرة غرست سهامها في الأجساد فأدمتها، ورسمت بمخالبها الوجوه فشوهت جمالها، من اليمن إلى العراق ومن سوريا إلى المخيمات الفلسطينية، أوطان سائبة تُصارعها الحروب الأهلية، وتتنازع خيراتها الأنظمة الحاكمة، وتنتزع حدودها الأطماع الخارجية والإقليمية، لتأتي جائحة كورونا فتزداد رائحة المرض ويتسع طعم الموت في أوطانها. … ما بين الجراح والجمال حلّ علينا عيد الأضحى المبارك بنسائمه الربانية، لينتشل قلوبنا من قلقها وخوفها إلى فرح ننتظره، ينفض عنا ما علق في قلوبنا وفكرنا من غبار الجائحة، ونعيش لحظات من السعادة في أجواء ربانّية جميلة واحترازات طبية مفروضة. و تقرُّ أعيننا برؤية الحجيج يصدحون بالتكبير والتهليل، يلبون النداء الإلهي في تأدية فريضة الحج، وتنطلق المناسك في إجراءات محدودة وحركات متناسقة ومتباعدة وأعداد يسيرة، فرضها "فيروس كورونا " المستجد لتضفي على بيت الله جمالًا ورونقًا، بمشهد تاريخيّ استثنائيّ، ولوحة فنية رائعة، كما قرت أعيننا بفتح المساجد أمام المصلين بلهفة وشوق أُغلقت معها عبارة "صلوا في بيوتكم" لتعود الحياة الإيمانية بين أروقتها، بجزء يسير من المصلين، وتدابير احترازية للحد من انتقال الفيروس القاتل بين المصلين، كما هي العلاقات الاجتماعية... …. وبأي حال عدت يا عيد، فسيبقى استقبالك بهجة وفرحًا، بالرغم من الجراحات والآلام، و ستلازمنا أحلامنا بانتظار عيد أفضل وأمنيات أجمل بإذن الله... Wamda.qatar@ gmail.com