19 سبتمبر 2025

تسجيل

النظام المعرفي في المجتمع القطري "5"

02 أغسطس 2019

الريع هو الريع، لكن رؤية السلطة له هي التي تسبب الاختلاف من مرحلة إلى أخرى، وتفرز بالتالي نظاما معرفيا بناء على ذلك الاختلاف والتبدل. ويتضح ذلك بالنظر إلى المراحل التالية: أولاً: مثلت الوظيفة الحكومية نطاقا فاعلا في تلك الفترة نتيجة للخطاب المعرفي الذي تبنته السلطة، مع احتفاظ المجتمع بصورته التراثية السابقة، المتمثلة بوجود الشيوخ ووجود الوزراء من كبار السن والوجهاء، ومجلس الشورى الذي كان في حينه مناسبا لتلك المرحلة، وفعالا جدا، وفي اتساق تام مع النظام المعرفي السائد حينئذ. مع أن وجود مسافة بين جميع هؤلاء الفاعلين جعل المجتمع إلى حد ما في مرحلة توازن. ثانياً: البحث عن القطري بقوة، كان شعار تلك المرحلة، وتقطير الوظائف كان هدفها، إلى درجة أن أصبحت هناك روشته اسمها "أنا قطري"، الأمر الذي أحدث ردة فعل قاسية جدا عندما تخلت الدولة نوعا ما عنها، تحت دعوى التحديث أو التنويع أو المنافسة. ثالثاً: غلبت لغة "التصحيح" على معظم تلك الفترة، بمعنى أن هناك وضعا خطأ علينا تصحيحه، لكنها لم تستمر حتى نهاية تلك الحقبة.   رابعاً: ظل المسجد والمدرسة يؤديان دورهما في اتساق تام، ولعل الملاحظ يلحظ بسهولة متانة ثقافة ولغة ذلك الجيل، وتمكنه كذلك من اللغة الإنجليزية، وبمنهج ديني واحد ضمن المنهج العام التعليمي. خامساً: شكلت الحكومة والديوان الأميري ثقل التفاعل مع المجتمع، وحل مشاكله بصورة أكثر مما كانت عليه سابقا من ناحية التنظيم والإدارة . وما زلت أتذكر توصية الديوان الأميري بشأن سماع الوزراء والمسؤولين لبرنامج "وطني الحبيب" وضرورة التجاوب معه وحل مشاكل المواطنين. سادساً: تلك المرحلة الوطنية يمكن تقسيمها إلى فترتين، الأولى فترة ما قبل تحول بعض المسؤولين إلى تجار، والفترة الثانية بعدما أصبح هؤلاء المسؤولون تجارا. وهي بداية مرحلة خطيرة أثرت بشكل سلبي على المجتمع وعلى بنيته المعرفية فيما بعد، حيث أصبح الريع ينتج تجارا دونما هيكلية تجارية، وعلى الوجه الآخر يبقى المواطن لاهثا خلف جزرته. سابعاً: ومع ذلك كان نمط العلاقات المجتمعية تتوسطه الأفقية إلى حد ما، حيث لم يزل المجتمع يحتفظ بكثير من رموزه وشخصياته، سواء من الشيوخ، أو من أعيان المجتمع وشخصياته، ولم تكن السلطة تعمل على شده إلى أعلى أو ربطه بها مباشرة إلا في بعض الأمور وليس كلها. ثامناً: بقى القطري بعيدا عن المنافسة إلا في حدود ضيقة جدا، إلا أن الدولة لم تستطع أن تقيم توازنا بين إغراءات المنصب والوظيفة، وبين مجموع قطاعاتها، فتكدس الطلب على قطاع دون آخر، وعلى وظائف دون أخرى، الأمر الذي أحدث تشوها في الهياكل الإدارية، ولم تستطع كذلك ربط الجهاز التعليمي بمتطلبات التنمية، فوجدنا لاحقا خريجين يبحثون عن وظائف ووظائف تبحث عن خريجين. تاسعاً: كانت هناك روح للمجتمع لا تزال واضحة، ففي كثير من الحالات كانت فعاليات المجتمع الشعبية تتدخل لدى الحاكم مناشدة إياه فيما يعتقدون أنه ضرر بالمجتمع وببنيته الاجتماعية، وهذا أثر للنظام المعرفي السابق كذلك. عاشراً: كان مثقف تلك المرحلة هو الموظف الحكومي والعسكري اللذين كانا يمثلان جانبي الاستقلال والانفكاك من الإطار المعرفي للمرحلة السابقة. أحد عشر: تبقى حقيقة واضحة يجب اعتبارها عند الحديث عن النظام المعرفي، وهي التفريق بين نظام معرفي تنتجه البنية، فهي التي تتكلم وليس الأفراد سوى لسان ينطق بها كما هو الحال في مجتمعاتنا، فالفرد في مجتمعاتنا لا يتكلم، وإنما البنية التقليدية الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزت وعيه دون حول منه، هي التي تتكلم في داخله، وبين بنية معرفية ينتجها الأفراد ويتكلمون بها، وتحتملهم وتحتضنهم داخلها لأنها نتاج طبيعي لإرادتهم كما هو موجود خارج عالمنا العربي. يتبع.... [email protected]