11 سبتمبر 2025

تسجيل

حرب النساء في سوريا

02 أغسطس 2016

ما هي حرب النساء؟ إنها قصة سوف أسقطها على الحرب العالمية بالإنابة في سوريا، حيث شرطها الأساسي لا غالب ولا مغلوب، وسياسة الأرض المحروقة، والسماح باستخدام المدنيين والبلدات والمدن كقلاع محاصرة لفرض شروط مجانين الحرب، واستسلام بلا شروط والسماح للمقاتلين بالخروج دون قتال، وأخيرا الموت للجميع باستثناء النظام والمرتزقة والجماعات الإرهابية، وينادي المنادي حينها: عاشت سوريا حرة عربية أبية.. فنقرأ القصة: يحكى أن نساء إحدى القبائل الغازية فيما مضى عقدن اجتماعا على مستوى القيادة الحربية، وتناقشن في قضايا الجهود النسوية للمساواة مع الرجال، فرجال القبيلة يذهبون للصيد ويعودون باللحم، ويذهبون لغزو القبائل الأخرى ويعودون بالغنائم والنساء جالسات في المضارب، وهذا مدعاة للكسل والملل وشيء من العار، فكيف يتمتع الرجال المجانين بالشجاعة ونساؤهم قاعدات، واعتمد مقترح "للشيخة" بالمشاركة في الغزو، ولكن ليس بمشاركة الرجال، إنما بتشكيل جيش نسوي، يغير على الخصوم. وجاء تصويت مجلس الأمن العشائري بالإجماع لصالح المشاركة في الحرب النسوية ضد الأعداء. وكعادة الجيوش المقاتلة كانت الخطة تقتضي أن يتحرك فيلق النسوة المقاتلات ليلا إلى حدود القبيلة المجاورة، وانتظار بزوغ الشمس للإغارة على بيوت الأعداء المفترضين والخصوم الملاعين والإرهابيين المحتملين وتحرير الأرض من أسيادها الملاعين، وتطبيق القانون الدولي الذي يحاكي قوانين العدل والمساواة والحرية والديمقراطية وسلسلة الأوصاف الطويلة،على تلك الأرض المستباحة من قبيلة الشياطين، وهذا ما جرى حسب المقتضى السياسي والخطة العسكرية لمهاجمة الأعداء. وصل جيش النساء إلى المكان المحدد إلى جانب أرض العدو، فقررن حينها أن يسترحن من "تعب المشوار" وافترشن الأرض في هزيع الليل الحالك، وهن مستلقيات على ظهورهن يراقبن النجوم متى تختفي، وإذ بأولهن من جهة أرض العدو يقشعر جسدها، إنه الخوف من أن يتسلل أحد عليهن فتكون أول الضحايا، وقررت أن تنتقل إلى آخر المربع من جهة ديارها، وما هي إلا لحظات حتى باتت نساء الجيش يتتابعن بالانتقال العكسي خلف بعضهن، خوفا من اختراق عدو، وكلما نهضت الأولى وانكشف ظهر الثانية حتى تبعتها الأخرى، وهكذا حتى انشق ضوء النهار، وإذ بهن مستلقيات أمام بيوتهن في مضاربهن، وكل جهودهن ومحاولاتهن وبطولاتهن ذهبت أدراج الأحلام بمستقبل مختلف، وأسموها غزوة النساء. ليس تقليلا من قيمة النساء اليوم، ولكن هذه التشبيهية في القصة المتخيلة أصلا، هي شرح لما يحدث اليوم في سوريا، التي قرر العالم أنها معركة تخليص الشعب من طغيان النظام، وحماية المدنيين من بطش وبنادق العسكريين، فدفعت أجهزة الاستخبارات العظمى برجالها لاستكشاف الوضع الميداني، وبعدها قررت الدول الكبرى ممن شاركت دولهم في غزو العراق واجتثاث نظامه وجيشه، أن يكون نظام الأسد هو الهدف، والقضاء على قواته العسكرية التي تفتك بالشعب هو الرسالة التي يجب أن يسمعها العالم الدكتاتوري، وبدأت كل القوى بالتخطيط والتنسيق، ثم بدأت تنكص وتتراجع بعدما وصلت طلائع جيوشها لحدود سوريا. إن من المؤسف والمعيب أيضا علينا -نحن العرب- أن ننتظر دول وجيوش العالم كي تخلصنا من استبداد الأنظمة الحاكمة، وأن نصمت الدهر كله ونحن نرى أن الجيوش تجهّز للانقضاض على الشعوب في يوم صحوة للمطالبة بحقوقها وإقامة العدالة بين الناس، وفتح أبواب الحرية والديمقراطية وإطلاق الحريات المدنية والمشاركة في القرار، وهذه الدول كفرنسا وبريطانيا مثلا لم يغادر إرثهم الاستعماري أرضنا ولا مخيلاتنا، فإذا كان السيدان الإنجليزي والفرنسي"سايكس وبيكو" قد قررا تقسيمنا دولا وعربانا، والسيد "بلفور" قد اقتطع فلسطين كيانا لليهود الأوروبيين، فإن الآنسة "جيتروود بيل" قد قسمت بلاد ما بين النهرين وصنعت ممالكها منذ مطلع القرن العشرين، ونحن لا نزال نتقاتل حول كيفية الآلية التي تنهي الصراع السوري وحكم الأسد المتمترس خلف ظهور جيوش الروس والإيرانيين ومليشياتهم. إن الصراع في سوريا بات أكبر كارثة عرفها الوطن العربي في تاريخه الحديث بعد الحرب على العراق، حيث الاستهداف الطائفي ضد أبناء السنة من قبل تنظيم النظام السوري وحلفائه من جهة، وتنظيم داعش الإرهابي من جهة أخرى، والقوات الكردية من جهة ثالثة، والقتال السنّي ضد كل هؤلاء والقتال السني السني، لن ينتج عنه أي انفراج أبدا، وحتى لو انتهت الحرب المزدوجة هناك اليوم، ستبقى ارتدادات هذا الصراع لعقود طويلة من العقلية والصراعات الثأرية، وهذا كله بسبب جنون العظمة الذي تملك الأسد وقادته، والضعف البائس لدى منظومة الأمم المتحدة ومجلسها الأمني، وجاهلية العرب الحديثة، والكل يريد أن يحارب هناك لاجتثاث العدو، ثم يتراجع قبل أن يصل الحدود. [email protected]