09 سبتمبر 2025
تسجيلجاء في قواميس اللغة العربية أن مَوَّهَ: (فعل)، وموَّهَ يموِّه، تَمويهًا، فهو مُمَوِّه، والمفعول مُمَوَّه – للمتعدِّي! ويقال مَوَّهَ الحقيقة: أَلْبَسَهَا الباطل، وأَفْسَدَهَا، وزَوَّرهَا عليه وزَخْرَفَهَا على خِلاَفِ ما هي عليه. ومَوَّهَ عليه الأَخبار، زَوَّرهَا، ومَوَّهَ الشيء: طلاه بفِضَّة أَو ذهَب وليس جوهرُه منها! والتمويه ليس «فَنّا» من الفنون الأدبية، والعسكرية، وإنما يقال (فنّ التمويه) جزافا، وهناك مَن يرى أن التمويه «فنّ» «يعتمد على تناسق الأشكال مع الألوان المناسبة»! والتمويه، ربما هو نوع من التمثيل (الحقيقي)، إن صح التعبير، ولهذا يُقال التمويه «عملية إخفاء حقيقة الشيء تحت رداء مستعار بغية التضليل، أو المفاجأة، أو الإغراء، أو الخداع». والتمويه ممارس بوضوح في عالم الحيوان، وبالذات بالنسبة للحرباء والكثير من الحشرات في البر، وبعض أنواع سرطان البحر، والضفادع وبعض الأسماك، وكذلك الفراشات، وغالبيتها تمتلك القدرة على التشكل وفقا للمكان الذي تتواجد فيه! والتمويه «فنّ» قاتل ومزور للواقع استخدمه الإنسان والحيوان على حدّ سواء عبر الزمن وذلك لخداع الفريسة، أو العدو! والحقيقة يمكن تسمية «التمويه» بالمهارة، وهذه الكلمة أدق من كلمة «الفنّ»، ولهذا رأينا أن «مهارات التمويه» برزت عبر خداع العدو ببنايات وأهداف وهمية، وحتى بالمدن والمطارات الوهمية، بينما القطعات العسكرية الحقيقة تكون في أماكن أخرى، غير ظاهرة، ولم يُسَلَط عليها الضوء، وقد تكون وصلت للأهداف الحقيقية! ولا يُذكر «التمويه» إلا وتذكر العمليات العسكرية والحروب، ورغم أن هنالك مَن يرى أن التمويه استُخدم لأول مرة في الحرب العالمية الأولى، عبر استخدام تلوين الأماكن والملابس وإخفاء الأسلحة وغير ذلك من الأساليب إلا أن هذا القول لا يُمكن التسليم به كون «التمويه» لصيق الحروب، وهو جزء من الخديعة والمكر، وقد عرفه العرب وغيرهم منذ مئات السنين ولكن، ربما، لم يُدَوّن في كتب التاريخ بهذه التسمية! واليوم، ومع التطور الهائل في التكنولوجيا والتصوير الثلاثي الأبعاد وغيرها، يمكن للتمويه أن يُستخدم بأساليب أكثر دقة، وخداعا في الحروب، وحتى في التجارة والتسويق! ومع استخدام الإنسان التمويه في الحروب والصيد، لاحظنا أن «التمويه» استخدم أيضا في السياسة، وليس في الميادين العسكرية فقط! ونحن لا نريد أن نخوض في دراسة أساليب التمويه البشري الواقعي والعملي عبر الألوان ومزجها، وتقنيات ما يحيط بالميدان العسكري، ولكننا نريد أن نؤكد أن «التمويه» السياسي وغير السياسي يمكن أن يكون بالخطابات والوعود وخداع العقول وليس خداع العيون والأنظار عبر التمويه الميداني! والتمويه في السياسة له العديد من الصور، وهي في الغالب ظاهرها الرحمة والإنسانية والعدالة والخير والنجاح، وباطنها الانتقام والوحشية والظلم والشر والفشل! وخداع الجماهير أشرّ أنواع «التمويه»، وبالذات في المراحل السابقة للانتخابات، وأوقات الأزمات، وهذا النوع من «التمويه»، ربما، يصل في المراحل المرتبطة بمستقبل الناس والوطن إلى الخيانة العظمى! إن الفرق بين التمويه مع الأعداء والتمويه مع الجماهير يتمثل بكون الأول مقبولا، بل ومطلوب حتما لتحقيق الظفر وغلبة الأعداء، والثاني مَعِيب، بل وقاتل للمستقبل السياسي لأي «سياسي» يبني برنامجه الانتخابي على الخداع والكذب والوعود الفارغة! قطعا إن السياسي المُمَوِّه يخدع نفسه قبل أن يخدع الجماهير، ولكن بالمقابل فإن المواطن المُمَوَّه إن أعاد انتخاب أو تصديق السياسي المُمَوِّه فهنا يقع اللوم على المواطن رغم ارتكاب السياسي لجريمة التمويه! يفترض أن تكون هنالك حملة شعبية وإعلامية لكشف السياسيين المُمَوِّهين وإثبات تَمويههم، والتأكيد بأن التمويه خيانة وكذب وتضليل! ولا خلاف بأن السياسي الخائن والكذّاب والمُضلِّل لا يُوثق به ولا بوعوده!