16 سبتمبر 2025
تسجيلفي مبنى وزارة الخارجية الأفغانية وسط العاصمة كابول، كان لقائي مع وزير خارجية إمارة أفغانستان الإسلامية أمير خان متقي، حيث الحدائق الجميلة والأشجار الباسقة التي تروي بنفسها، ولزوارها تاريخاً عريقاً يمتد إلى 1747 يوما تشكلت هوية أفغانستان السياسية بشكلها الحالي على يد مؤسسها أحمد شاه الأبدالي أو (درة دوران) أي درة العصر كما يسميه الأفغان، وهي بالمناسبة أول دولة حديثة تتشكل في العالم الثالث، وتحافظ على حدودها الحالية. جلست إلى جانب الوزير، وبجانبه الشاب عزيزالرحمن فضلي نائب دائرة الشرق الأوسط والعالم العربي الذي تخرج من الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، والتي أرادها الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق رحمه الله، واحة علم ودعوة في جنوب آسيا. كنت أعرف متقي منذ أيام الجهاد الأفغاني ضد السوفيت 1979-1989 وكان يشتغل في حزب حركة انقلاب إسلامي بزعامة مولوي محمد نبي محمدي رحمه الله، وكنا نستقي الأخبار العسكرية والسياسية للحركة منه، يوم كنت أغطي لصحيفتي الشرق الأوسط والحياة اللندنيتين، واستمرت المعرفة إلى ما بعد سيطرة طالبان على السلطة في كابول 1996-2001 حيث تسلم حينها وزارة الإعلام ثم وزارة التربیة والتعليم. بدا الوزير الأفغاني في غاية الثقة بالنفس، وفي غاية الانشراح لما أنجزته حكومته خلال السنوات الثلاث من انسحاب قوى التحالف الغربي المكون من 38 دولة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والذي سعى طوال عقدين كاملين 2001-2021 للقضاء على الحركة، لكن دون جدوى، فكانت العاقبة انسحاباً فوضوياً بطعم الهزيمة الواضح لكل ذي عينين، وعلى الهواء مباشرة، مما تقازم أمامه انسحابها الفوضوي من فيتنام. أشاد الوزير الأفغاني بالجهود القطرية خلال فترة المفاوضات بين حركته وبين القوات الأمريكية، وشدد على أن «الواقع الحالي في أحسن أحواله بالنسبة للأفغان، ولأهالي كابول تحديداً، حيث استطعنا بفضل الله كما يقول توفير الأمن والأمان لأهالي العاصمة، وأفغانستان بشكل عام، بعد أن كسرنا ظهر تنظيم الدولة «داعش»، وتمكنا من طرد المعارضة المسلحة، حيث لا تسمع ولخمسة عشر شهراً متتابعة طلقة رصاص واحدة حتى في المناطق التي كانت معروفة بمعاقل المعارضة السابقة». ينتشي الوزير الأفغاني متحدثاً عن الأمن والسلام فيقول لنا: (أقوم أحيانا بجولات داخلية وسط كابول دون المرافقين أو المسلحين، فألمس الأمن والأمان وثقة الناس بالنظام الجديد، وحين ننتقل إلى الولايات الأخرى البعيدة عن العاصمة، نلمس بشكل واضح زحمة السيارات على الطرق العامة، مما يعكس حالة الحركة الاقتصادية النشطة في البلاد). وهنا يعتب الوزير الأفغاني على وسائل الإعلام التي تتجاهل كل هذه النجاحات، ولا سيما فيما يتعلق بالملف الأمني الذي تحسن بشكل كبير، بحيث يضاهي ما هو عليه الواقع في بعض الدول المجاورة، وهو ملف تنبني عليه كل الملفات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونحوها. لكن حين نتحدث عن موقف دول الجوار من الإمارة الإسلامية الأفغانية، يحمل الوزير الأفغاني على طاجيكستان بعدم التعامل المطلوب وتعزيز الثقة المتبادلة وذلك لأن معظم المهاجمين الذین قاموا بالأعمال التخریبیة ينتمون الی طاجیكستان، ويشير الوزير الأفغاني إلى أن (أفغانستان لديها آلاف الكيلومترات من الحدود مع الدول المجاورة، وعلى الرغم من كل هذه الحدود المفتوحة مع الدول المجاورة، لكننا نبسط سيطرتنا على كامل التراب الأفغاني، بعد أن عجزت المعارضة عن التحكم بشبر واحد على أرض أفغانستان). حين الحديث عن التوتر الخفي في العلاقات بين باكستان وأفغانستان يؤكد الوزير الموقف الأفغاني الراغب بعلاقات أخوية وصداقة مع باكستان، ولكن لا بد من اتخاذ خطوات عملية وجريئة من أجل نزع كل مفاعيل التوتر والخلاف، ولا بد أن تُقدم باكستان على تسوية مشكلاتها مع حركة طالبان باكستان النشطة في مناطق القبائل الباكستانية، ويضيف الوزير: (دعمت الإمارة الإسلامية جهود المفاوضات المباشرة بين الحكومة الباكستانية وطالبان باكستان، وكنا على وشك تسوية المشكلة، ولكن فجأة انهار كل شيء، وباعتقادي هذا التوتر لا يخدم البلدين ولا شعبيهما، فنحن نفضل الحوار، ولعل هذا التوتر يستفيد منه تنظيم الدولة «داعش» وبقية جماعات إجرامية في المنطقة). حين أنقل إلى الوزير الاتهامات الباكستانية الرسمية، وتوفير الملاذ الأفغاني لطالبان باكستان وهي التي تقوم بالتفجيرات على أراضيها، يقول الوزير: (هذا الاتهام غير منطقي، فكما يعرف الجميع أن هذه الانفجارات تقع بعمق 500 كم داخل الأراضي الباكستانية بعيداً عن الحدود الأفغانية، وهو يشير بشكل واضح إلى أنها مشكلة داخلية، ينبغي التعامل معها على هذا الأساس). ساحة الخلاف الثانية بين إسلام آباد وكابول وجود المهاجرين الباكستانيين الموالين لحركة طالبان باكستان والمعارضة لإسلام آباد، وهنا أسأل الوزير الأفغاني عن هذه النقطة الخلافية، وكيفية معالجتها، فيرد علي بالقول: (هذه القضية ليست من نتاج حكم الإمارة الإسلامية الأفغانية، وإنما هذه القضية تعود إلى أيام الاحتلال الأمریكي، ومع هذا نقول لابد من حل وتسوية شاملة تخدم مصالح الشعبين الشقيقين وهذا ما ندعو إليه دائما).