14 سبتمبر 2025

تسجيل

التدين المعلول

02 يوليو 2015

للكفر سببان يضارع أحدهما الآخر ويساويه في الخطر والأثرة.السبب الأول: عقوق بعض الطباع وكفرها بولي نعمتها واستكبارها على هداياته والسبب الثاني عرض الدين مشوهاً معلولاً بما يثير الاشمئزاز والكراهية والسخط عرض الدين في أوربا على أنه ضد العلم وهو خصيم الحياة السوية وخليط من أوشاب الأرض في غلاف مزعوم من السماء بتمتمات وهمهمات وترنيمات فكان أن كفر العلم وكفرت به الحضارة الحديثة.ومن سوء الطالع وحظ العالم العاثر أنه لم يجد من يأخذ بيده ويهديه إلى رشده فظلت المدينة الذكية تعاني استخدام ذكائها فيما يرديها.والآن وفي يومنا هذا مازال السببان معاً يستبقيان الإلحاد والانحلال لأن دعاة كثيرين يقولون كلاماً يستغربه ألو الألباب حتى شاع : إن الإسلام دين حفنة من الحكام الظلمة المترفين تعيش وسط أمم تبحث عن الأكل لا يعنيها إلا ذاك، لا تعرف حرية ولا تفكر في كرامة ولا إبداع أو إنتاج.إن الإسلام يحرم كافة أنواع الاستغلال، ويحترم الشريف، ويحث المسلم على كسب قوته بالوسائل المشروعة والاعتدال في إنفاقها (ولا تجعلْ يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً).إن العوج النفسي منتشر بين البشر انتشاراً ذريعاً، واكتشاف جراثيمه قد يحتاج إلى البصر الدقيق المتفرس، ولكنه يسهل بين عوام الناس ويصعب اكتشافه بين المتدينين، فإن الشعائر الرتيبة من صوم وصلاة وحج وزكاة قد تنسج حجاباً سميكاً على طبائع الناس ولكنها لا تمحو رذائلهم إلا إذا شمروا عن ساعد الجد وجاهدوا أنفسهم جهاداً مريراً، ولكن كيف يجاهد نفسه وهو معجب بها راض عنها وكأنّه يمن على الله بما يقوم به من طاعات.إن الذي لا يحسن التنقيب في جنبات نفسه لاكتشاف عللها لا يصلح أن يكون داعياً ولا مربياً، والذي هم له إلا إتهام الناس بالكفر والإغضاء عن محاسنهم والشماتة في أخطائهم وتتبع عوراتهم وعثراتهم هو إنسان مريض الفؤاد وإن قام الليل حتى تورمت قدماه أو صام النهار حتى يبست عروقه.ويتبع الكفر بولي النعمة المولى عز وجل الكفر بالحياة وجهل وظيفة الإنسان فيها، الكفر بالإنسان نفسه، وبخس قيمته وتشويه حقيقته من كونه مستخلفاً في هذا الوجود.إن المتدين المنحرف يسيء تصور الملكات والشهوات الإنسانية، وينظر إليها نظرة ازدراء واحتقار.الواقع أن النفس الإنسانية في ظل التدين المعلول تعجز عن القيام بمهام وظيفتها في الحياة بينما تستطيع القيام بهذه الوظيفة نفس ليس لها من التدين إلا ما جبلت عليه من طباع الخير وأفكار الفطرة.ولو ألقيت نظرة عجلى على الطريقة التي كون المسلمون بها أفكارهم وتصوراتهم عن الدين وعن الدنيا في القرون الأخيرة لرأيت أساليب الجاهلية عادت إلى الأذهان من جديد في ميدان العلوم الشرعية والكونية على حد سواء فلا عقل ولا نقل فيما يروج من أوهام في كل ناحية فلماذا إذاً لا يهان المسلمون في أعين أعدائهم ويتخلفوا في دنياهم .إن التدين المعلول الفاسد غمط مصادر اليقين التي لفت القرآن إليها أنظار البشر وظلم السمع والبصر والفؤاد، واستغل بضروب من التفكير أقل ما يوصف به أصحابه قول المولى عز وجل (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ولقد علموا لمنْ اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ماشروا به أنفسهم لو كانوا يعملون).وأنا على يقين أن حب النفس وحب الظهور والغرور والشره والمكاثرة بالمال والجاه لا يمكن أن يمحو من نفس الإنسان إلا بالوحي المنزل والتعلق الشديد والإيمان السديد الرشيد بالله وبما عند الله تبارك وتعالى.إن أسباب طغيان الحاكم وغش الغاش عند التعامل بالتطفيف أو الخيانة واستكبار الأغنياء وجر الذيول في الأرض مرحاً إن أسباب ودوافع انحراف هذا الصنف من البشر لا يكون إلا بسبب قلوب خالية من الله جل وعز خاوية على عروشها بعيدة عن الشعور بعظمة الجبار المنتقم (لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) (وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون)(وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة...)عند فساد الفطرة لا يوجد دين، وعند اختلال العقل لا يفهم وحي وعند تغليب الغرائز لا يبقى خلق.إن التدين الفاسد مولع بالتحريم تضحك حرام تركض حرام تأكل على خلاف ما يهوى حرام إنه راغب في تضييق دائرة المباحات كأنه يفهم (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) على خلاف ما فهمه علماء الأمة الموثوقون والذين قالوا: الأصل في الأشياء الإباحة.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين