19 سبتمبر 2025
تسجيلأسبوع حافل بالأخبار المرّكزة والآراء والتحليلات والتعليلات المتعلقة بالحركة التجديدية التي حدثت في قطر، لم تقطعها سوى أحداث مصر وسنوية الرئيس المصري الذي احتشد الملايين بين مؤيد ومعارض، في تهديد جديد للديمقراطية الجديدة لمصر الجديدة، بعكس ما جرى في دولة قطر التي نهضت من جديد نحو عالميتها ومستقبلها التي ضخ أميرها دماء شابة متدفقة بالحيوية في مراكز الحكم، في خطوة هي الأولى والأبرز والأكثر حكمة خلال نصف قرن مضى من عمر العالم العربي. أمير جديد ورئيس وزراء ووزير خارجية يرتقون نحو مناصبهم التي تنتظر منهم دفعة " توربينية " تقفز بالدولة التي "دوخت" الأنظمة البالية في العالم العربي تفكيرا وتحليلا، قفزة نحو عالم جديد بدأت تظهر علاماته الفارقة عن الزمن الماضي، في كل تفاصيله السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن المنتظر أن يرى العالم الشكل الجديد للسياسة القطرية بشكل أجمل وأكثر عصرية وحصافة تماشيا مع عالمنا العربي المضطرب. الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اسم يعرفه غالبية الشعب العربي قبل أن يتسلم مقاليد الحكم، وينظر إليه اليوم كحاكم جديد نظرة تفاؤل في انتهاج المزيد من السياسات الراشدة الواعية القومية العروبية التي يتمناها أي شعب على قائده، وليس من باب المجاملة أو المزايدة، فإن شابا كالشيخ تميم يمتلك روحا خلاقة عاش فترة كافية داخل مطبخ القرار وتمعن عن قرب في كواليس الحكم العربي وهو صامت تشرب عيناه من ينابيع الواقع، يستطيع بلا شك أن يعبر ببلاده، ويساعد أشقاءه في رسم خارطة لعالم عربي جديد، قد ينفض رماد الحروب والتخلف السياسي والانقسامات الطائفية والفكرية عن رأسه، ويفتح نوافذه نحو ضياء المستقبل، حيث شمس التغيير والتجديد لا يمكن أن تتوقف عن الإشراق كل يوم. قطر رغم الآراء المتضاربة والعواطف المتصادمة تجاه سياساتها الخارجية فيما مضى من الزمن بين محب وكاره، ستجد نفسها يوما ما حيث هي محط الأنظار دون تراجع أو كلل، لأن القيادة الجديدة اختارت ماكينة حكم محلي جديدة متطورة لها رؤية تجديد قد تكون مختلفة عن أسلافها ولكن التراث السياسي العربي القطري لا نعتقد أنه سيتعرض للتغيير فيها، بل سيكون أكثر قوة وإيمانا بدور هذه الدولة كلاعب مهم في عالمنا العربي، لأن " مطبخها السياسي العميق " أكثر ذكاء ومهارة واحترافية مما يظنه الكثيرون. فالشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني كرئيس للوزراء جاء مكملا للدور النهضوي الجديد للحكم الرشيد في الدولة القطرية التي لا ينقصه سوى التحديث والتطوير المستمر لمواكبة العصر، وليس أفضل من شاب تمرس في القيادة بطريقته الخاصة ويمتلك الروح العروبية والخضوع المؤدب للمدرسة الأخلاقية العربية البدوية كما يخبرني صديق مقرب له، وهذا يعطي أملا كبيرا لدى شريحة عريضة من الشباب القطري للعمل نحو تكاتف المجتمع القطري للارتقاء بوطنهم. الرجل الثالث هو د.خالد العطية وزير الخارجية، واختيار رجل ما لقيادة وزارة الخارجية بعد تقاعد الشيخ حمد بن جاسم ليس بالمهمة السهلة، لهذا أعتقد أن اختيار العطية لم يأت من فراغ بل كان مدروسا جيدا لاستكمال نهج السياسة الخارجية لهذه الدولة الفتية التي تقود التغيير في العالم العربي، وفي قراءة لسيرته العملية نستطيع أن نلمح مدى القدرة في اتخاذ القرار الصائب والتعاطي مع الأحداث الخارجية، والانحياز للمواقف الأكثر إيجابية والتي من شأنها تحقيق خير الأمة العربية من باب وزارة الخارجية القطرية، التي طالما كانت الذراع القوية لمركز القيادة القطرية في الشؤون الخارجية، في العالم العربي أو العالم عموما. من هنا، من آخر خطوة مشى عليها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، يثور السؤال المقلق لدى الجمهور العربي في كل الأقطار: ألم يحن الوقت للتغيير السلمي الإيجابي في مراكز الحكم والقيادة والرئاسة العربية بكل مسؤولية وعقلانية، ودون سفك دماء وانهيار الاقتصاد، وضرب وحدة الشعوب؟ أعتقد على قيادات الحكم العربية أن تزيد من التطور التفكيري لديها، وأن تزيد من رقعة المشاركة الشعبية في دائرة صنع القرار والحكم، وتحقيق المزيد من الشفافية أو انتهاجها لمن يفتقدها، فالمستقبل يخبئ كل يوم مفاجآت غير محسوبة، وعلى دوائر الحكم العربي أن تعي أهمية التغيير والتطوير والتجديد والمشاركة، لأن المشاركة الأكثر تعني توزيع المسؤولية بشكل أكبر ليتحملها جيل جديد من الشباب المتدفق حيوية، لمواكبة تطور العالم والعمل أكثر لتحقيق التنمية الشاملة في بلادنا العربية التي قتلتها العقليات الديناصورية، والقيادات غير الفاعلة أو المتفاعلة مع شرائح مجتمعاتها، فقطر التي حققت قيادتها قفزات هائلة خلال العقدين الماضيين على الصعيدين الداخلي والخارجي، اختارت طريقا ثالثا متميزا وسهلا لاستمرار الحكم الراشد، وهو قيادة شابة جديدة لمن تقلل من شأن السلف الباني، ولم تحط من قدر القيادة، بل ازداد إعجاب العالم به، لأنه اتخذ قرارا يحمي الدولة برمتها، ويقطع الطريق على أي احتمالات غير متوقعة في ظل الظروف العربية التي تزداد سوءا كل يوم، ونحن نتمنى على القيادة الجديدة في قطر الشقيقة أن تعمل أكثر على وحدة الصف العربي ودعم الدول العربية المستقرة نسبيا، ودعم اقتصاداتها التي هي قواعد البناء السياسي والاجتماعي، وفي ظل الصراع الداخلي في دول عربية نتوقع المزيد من الأسوأ ونتمنى أن تساعد قطر الشقيقة في الحد من هذه الصراعات سياسيا أيضا.