27 أكتوبر 2025

تسجيل

اعتراف الحرمي بالخطأ فضيلة

02 يونيو 2015

فى كل المهن تقع أخطاء كثيرة ويستطيع أصحابها أن يتستروا عليها ويخفوها بطرق ملتوية لبعض الوقت، إلا أخطاء الصحف، فإنه لا يمكن تمريرها، لأنها تكون منشورة على الملأ، وهذه الأخطاء غير المقصودة بالطبع تكون مرصودة من العامة، ما يؤدي إلى الوقوع في مآزق تكون مثارًا للتندر والفكاهة، بل توصلها إلى ساحات القضاء في معظم الأحيان، وينتج عنها مشكلات لا حصر لها. أخطاء الصحف تكون في الغالب قاتلة، فهي لا تفسد المعنى وتغيره فقط، ولكنها قد تثير أزمات داخلية أو أزمة في العلاقات بين المجتمع والدول، وما حدث في جريدتنا العزيزة /الشرق/ بالأمس لم يكن بالحدث الهين الذي يمكن التغاضي عنه، وهو ما دعا الرجل الرصين الأستاذ جابر الحرمي لتقديم استقالته لهول الصدمة التي لم يكن يتوقعها، وهو الذي أدار دفتها وسط عواصف وأنواء ورياح عاتية مكنته أن يخرج منها إلى بر الأمان بكل اقتدار وحنكة، إلا أن هذه السقطة التي أوقعه فيها أبناء الدار أنفسهم لم تترك له التفكير إلا بهذا القرار القاسي على نفسه وعلى قرائه ومحبيه ومتابعيه. يمتلك جابر الحرمي شفافية ذاتية في رؤيته للمستقبل؛ ليقينه أن عمله وسط كل تلك النتوءات لا بد أن توقعه في المحظور غير المقصود بالطبع، وكان يرى أن ذلك سوف يضطره لاتخاذ مثل هذا القرار القاسي، وهو بالفعل ما حصل حين تقدم فورا باستقالته نتيجة رعونة واستهتار محرر ومسؤول ملحق /الصحة والمجتمع/ حين صدمنا بصور خليعة نشرت في الملحق أمس ومرت على كل صناديد الحرس المعنيين بسد كل الثغرات التي يمكن أن تتسلل منها مثل هذه الجراثيم إلى بوابتها المنيعة. بقرار حاسم أوصد الباب وراءه بمحض إرادته دون انتظار محاسبته وهو في موقعه، وترك للتحقيق يأخذ مجراه المستقل، لأن الحدث لم يكن بالسهولة التي يمكن أن يدافع عنه، وفي فحوى كتاب استقالته يعترف من واقع مسؤوليته في رئاسة التحرير بالخطأ الفادح الذي ارتكب في حق الصحيفة والقائمين عليها قبل شخصه، فكان اعترافه بالخطأ فضيلة بمعنى الكلمة، وهو أراد بالتنحي عن المسؤولية درءا للمساءلة التي يمكن أن يقع فيها وهو بريء منها، نأمل أن لا يكون قراره المسؤول نهائيا؛ لأننا لا نريد أن نخسر طاقة صحفية وطنية مثالية. ترسيخ ثقافة الاعتذار والاستقالة كتب عنها جابر الحرمي في إحدى مقالاته السابقة، وقال فيها "أعتقد أن ثقافة الاعتذار والاستقالة مطلوب غرسها في الأجيال التي سوف تتولى مناصب قيادية في مختلف القطاعات، وهذه الثقافة من المفاهيم المهمة التي يجب أن يتعاون الجميع لغرسها في الأجيال بكل شفافية ومصداقية، فلا نريد لأجيال المستقبل التمسك بالمنصب على حساب الوطن"، وهذا هو الدرس الذي جاء اليوم الذي يطبقه هذا الرجل المحترم على نفسه دون تردد. نأمل أن تهدأ النفوس ويأخذ كل مقصر ومتسبب نصيبه من العقاب الذي تم بالفعل بإصدار أوامره بذلك قبل ترك منتصبه، لا بد أن تعود الأمور إلى نصابها ويعود جابر الحرمي إلى موقعه بجهود كل المقدرين لمكانته الصحفية وتفانيه في الدفاع عن مبادئه المحترمة. وسلامتكم