14 سبتمبر 2025
تسجيلخطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي. مثّل علامة فارقة في وجهة النظر الإسرائيلية. ليس من حيث المضامين. فكل القادة الإسرائيليين ـ سياسيين وعسكريين ـ متفقون مع ما جاء فيه. لكن من حيث الوضوح فإن رئيس الوزراء الصهيوني الحالي هو الأوضح في التعبير عن وجهة النظر الإسرائيلية للتسوية مع الفلسطينيين والعرب. فمن المفترض أن يشكل هذا الخطاب علامة بارزة في التعبير عن حقيقة النوايا والمعتقدات الصهيونية للتسوية. ومن المفترض أن يكون الرد الفلسطيني والعربي أيضا على الدولة الصهيونية شافيا وافيا وموازيا من حيث ردود الأفعال المفترض اتخاذها على هذا الصعيد. عنجهية، صلف، استعلاء، وصاية على العالم، استغباء الآخرين، بمثل هذه الأوصاف يمكن وسم خطاب رئيس الوزراء الصهيوني في الكونجرس الأمريكي، فهو أراد من خطابه أن يبدو وكأنه الحاكم الفعلي للولايات المتحدة. هكذا أيضاً تفاعل معه الحاضرون من خلال التصفيق وقوفاً واحتراماً لما يقول، الأمر الذي يبين مدى قوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وعِظَمِ تأثيره على قرارات الولايات المتحدة السياسية بشكل عام، وفيما يتعلق بالصراع العربي-الصهيوني بشكل خاص. لقد أوضح نتنياهو بما لا يقبل مجالاً للشك أن إسرائيل لن تنسحب من مدينة القدس، وأن المستوطنات باقية في الأراضي المحتلة، ولا عودة للاجئين الفلسطينيين، وأن أي دولة فلسطينية قادمة ستكون منزوعة السلاح، وناقصة السيادة، وإضافة إلى كل ذلك: على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية إسرائيل، وأن حماس منظمة (إرهابية) وأن المصالحة تضر بإقامة الدولة الفلسطينية، وهذه لن تكون في ظل الاتفاق مع حماس، وعلى السلطة أن تختار بين حماس وإسرائيل، وعلى حماس حتى تكون مقبولة أن تعترف بحق إسرائيل في الوجود. لم يقتصر الأمر على الفلسطينيين وحدهم وإنما فإن ثمة اشتراطات جديدة على العرب، فعليهم تجديد مبادرة (السلام) العربية، التي لم تعد صالحة، وهم أيضاً عليهم الاعتراف بيهودية إسرائيل، وأن العرب دكتاتوريون، قمعيون،لا أمان لهم، وبالتالي أراد أن يقول:لا سلام معهم. يتضح أن نتنياهو في 2011 هو نفس نتنياهو في أوائل التسعينيات، عندما ذكر غالبية ما تضمنه خطابه في مؤلفه المعنون باسم (مكان تحت الشمس) والذي يشكل خلفية لسياساته المتخذة سابقاً، وآنياً، ولاحقاً. كل الذي تغير بعد كل هذه السنوات: أن اشتراطات جديدة وضعها هذا العنصري الفاشي الكريه، الصهيوني حتى العظم، والذي يمثل حقيقة إسرائيل رغم الرتوش التي يحاول أن يضفيها على كلماته المسمومة هو الآخر. والتي تستفز وتحاول إهانة الفلسطينيين والعرب والمسلمين في كل كلماته المسمومة. رئيس الوزراء الصهيوني أثبت بما لا يقبل مجالاً لليقين: أن اتفاقيات أوسلو لم تكن سوى مدخل لإجبار الفلسطينيين وتركيعهم من أجل القبول بالمشروع الإسرائيلي للحل، وفيما بعد لإجبار العرب على الاعتراف بالحقائق الجديدة الإسرائيلية، وكأن الدولة الصهيونية هي التي تصنع التاريخ، وهي التي تحدد حقوق الإنسان ليس في المنطقة فحسب وإنما على صعيد العالم، وأنها تتحكم بالسياسات الدولية، وبالأخص: السياسة الأمريكية. يتوجب أن يكون حجم الرد الفلسطيني والعربي موازياً لما ورد في خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي، وأن يتناول جانبين: الأول هو نزع الأوهام من العقول في أن الولايات المتحدة يمكن لها أن تكون وسيطا ًنزيها فيما يتعلق بالمواقف من الصراع العربي-الصهيوني، واستحالة مغادرة وقوفها للصف الإسرائيلي، وكذلك تحديد المواقف من الولايات المتحدة على ضوء هذا الفهم وانطلاقاً من أسسه، على الأصعدة المختلفة. الجانب الثاني، بناء استراتيجية فلسطينية-عربية جديدة بالنسبة للصراع مع العدو الصهيوني تتمثل في: إحياء روح المقاومة ضد هذا العدو وبكافة أشكالها ووسائلها، فإسرائيل لا تفهم غير لغة القوة، ومن خلال تصليب الموقف الفلسطيني بالإصرار على المصالحة وتطبيقها واقعاً على الأرض والعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومزيداً من التمسك بالثوابت الفلسطينية، وإلغاء مرجعية اتفاقيات أوسلو والعودة إلى مرجعية الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بعودة اللاجئين ووجود دولة للفلسطينيين، والالتحام العضوي القوي مع العمق العربي وبخاصة بعد التغييرات الأخيرة، وقبل كل شيء إلغاء مبدأ المفاوضات مع العدو الصهيوني وبخاصة بعد وضوح عقم وعبثية عشرين عاماً من المفاوضات، أي باختصار:إعادة الصراع مع إسرائيل إلى مربعاته الأولى. أما تصليب الموقف العربي فيتم من خلال:إلغاء ما يسمى بمبادرة السلام العربية، وإلغاء الاتفاقيات الموقعة من بعض الدول العربية وإسرائيل، وطرد السفراء والممثلين الإسرائيليين حيثما يتواجدون في هذه الدول، وإغلاق السفارات والممثليات الإسرائيلية في الوطن العربي، وبناء استراتيجية جديدة في التعامل مع الصراع في المنطقة، والعمل على استغلال عناصر القوة الجماهيرية-الشعبية العربية وشعاراتها المستندة على مواقفها الصلبة تجاه إسرائيل وحلفائها.