19 سبتمبر 2025

تسجيل

قراءة في تحولات الشخصية والمجتمع‫

02 مايو 2019

‫التغيرات التي لحقت بالشخصية القطرية في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، حتى ما قبل الحصار تقريباً، نتيجة لعوامل سياسية واقتصادية أثرت على منطلقاتها الأساسية من قيم ونظرة للكون وللدين، الأمر الذي جعل هذه المنطلقات والمبادئ والقيم تأخذ شكلا وظيفيا جديدا براجماتيا إلى حد كبير ينشر بالتالي بقعا وجزرا متناثرة من وحدة نفسية واحدة كانت متماسكة إلى حد كبير. وسأعدد هنا بعض ملامح هذه الشخصية القطرية والتحولات التي جرت عليها نتيجة نمو الدولة بعيدا عن تأثيراتها، فبدلا من أن تكون مؤثرة في ذلك، أصبحت مجرد رد فعل وانعكاس لتمظهرات الدولة وسياساتها .‬ ‫أولا: شخصية متدينة وسطياً وفطرياً: عرفنا في قطر الإسلام ولم نعرف الإسلاموية إلا مؤخرا، أجيالنا السابقة حتى التسعينيات من القرن المنصرم لم تكن تعرف شيئا عن الإسلام السياسي كما يسمونه رغم تأثر المحيط الخليجي به، ‬مصطلح التكفير لم يروج ولَم نسمع به إلا مؤخراً في المجتمع ، كنّا نسمع أن فلاناً لا يصلي مثلاً أو فلاناً يشرب الخمر ويتخذ المجتمع تجاه هذا التصرفات التي لا يقبلها ميكانزمات دفاع مثل العزلة والنصيحة بعدم مرافقتهم أو اتخاذهم أصدقاء. ‫ثانياً: ‬شخصية بدوية -حضرية أعيدت بدونتها أهل قطر جميعاً حضر وبدو في آن واحد، جرى تغليب بعض القيم الثقافية للبداوة وأدى الريع إلى تكريس ظهور بداوة «ريعية» بشكل أكثر مما قبل، إلا أن الدولة تداركت مثل هذا الوضع بعد الحصار وكسرت هذا التكريس الذي أرجو أن لا يعود. ‫ثالثا: شخصية منفتحة تمت نرجسيتها: تحب بشدة وتكره بشدة، ضاقت مساحة التسامح بين أجزائها كما كان في السابق، غلبت «الأنا» القبلية على أنا المجتمع أو الأنا المجتمعية، وتتغلب الأنا الفردية على الأنا القبلية عند الاقتراب من الغنيمة.‬ ‫رابعا: شخصية تحمل ذاكرة عامة جرت عملية طمس معالمها: القطري أساسا يحمل ذاكرة عامه لارتباط المكان بالزمان، أن يغيب الزمان ويتغير فهذا أمر طبيعي لكن أن يختفي المكان ويطمس ويزال، فأمر يُشقي الذاكرة فتنكفئ إلى فرديتها وتعيش خوفا مصطنعا من الاندثار، لأن المكان ذاكرة تستمر وتبقي معها الأجيال، يصاب المجتمع في صحته النفسية إذا انفصل المكان وتبقى منه ذكرى تشقى به الذاكرة وهذا ما عانى منه سكان هيروشيما وناجازاكي بعد إسقاط القنبلتين الذريتين عليهما حتى إن عدد الوفيات من زوال المكان قارب أن يعادل عدد ضحايا القنبلتين .‬ ‫خامسا: شخصية اجتماعية بالفطرة نظراً لسعة أفق العلاقات الأفقية بين بعضها البعض في السابق جرى تحويلها إلى شخصية انتفاعية نظراً لتغير نمط العلاقة في المجتمع من النمط الأفقي إلى النمط الرأسي نتيجة لسياسات الريع وغلبة الجانب المادي المصاحب له على الجانب الاجتماعي الإنساني الذي كان يُميز المجتمع سابقاً‬. ‫سادسا: شخصية إنتاجية جرى تفريغها بفعل الريع وعن طريق جذبها للنشاطات الريعية التي تؤبد ريعيتها وإلحاقها به كسباقات الهجن وجوائز مسابقات الطيور وحلال أهل قطر والمزاين وغيرها مما يتكشف عنه العقل الريعي سنويا.‬ ‫سابعا: شخصية تحتقر أو بالأحرى لا تقدر قيمة العمل اليدوي مهما حاولت الدولة أن تحض عليه وذلك يعود للنظرة الاجتماعية التي لا تزال متأصلة في العقل الجمعي، وأعتقد ذلك يرجع للتضارب بين الواقع الذي يراه الشاب وبين المثال الذي يُطرح أمامه للالتحاق به.‬ ‫ثامنا: شخصية مستعجلة وملولة: تريد التغيير بسرعة هكذا دون المرور بتعرجاته الطويلة واستحقاقاته المطلوبة ويظهر ذلك بوضوح عند المثقفين بصورة واضحة، يريدون التغيير بقراءة مقال أو بمحاضرة عن الديمقراطية أو بكتاب عن التحول الديمقراطي.‬ ‫تاسعا: شخصية فيها كرم فطري انشطرت بعد ظهور النفط إلى جزأين، جزء أدى الريع إلى إقتارها وجزء آخر أدى الريع إلى أن تهب وتعطي أكثر وهنا أيضا تبدو مفارقة بين من يصله الريع وبين من يمتلك الريع، وكلاهما يقعان اجتماعيا ضمن دائرة الإيجابية والقبول، فمن يصله الريع ويعطي فهو كريم ، ومن يمتلك الريع ويهب، فهو يأخذ ليعطي أو يأخذ ليهب فتصبح الهبة مبرراً للأخذ أو للنهب وهذا أيضا مصطلح يظل إيجابيا في العقلية العربية عموما لأن الوهب يضفي نوعا من التخفيف والقبول للنهب في دائرة هذا النوع من الاقتصاد.‬ ‫عاشرا: شخصية مستهينة بالوقت انطلاقاً من موقف الثقافة العربية من الوقت بشكل عام: وهذه صفة عامة للشخصية العربية عموما، لا اعتبار للوقت ويكرس ذلك تأخر المشروعات والإصلاحات الدستورية والقانونية والاجتماعية .‬ ‫أحد عشر: شخصية رومانسية أكثر منها براجماتية واقعية في فهم التاريخ بالذات، فهي تصر على التاريخ الصغير وتتفنن فيه، تاريخ العائلة والقبيلة، وذلك يرجع لأسباب خارجة عن إرادتها لأنها مشغولة أو هناك من يجعلها مشغولة دائما بإثبات وجودها على هذه الأرض وباستمرار، فهي شخصية منهمكة بإعادة التأكيد على الماضي لا يهرب منها على حساب المستقبل.‬ السؤال المطروح الآن: هل أثر الحصار في سرعة وحدية الريع في تشكل هذه الشخصية، وأعاد إليها بعض سماتها التي كانت سائدة قبل أن يطمرها الريع ويخفي معالمها الإنسانية؟ أرجو ذلك. [email protected]