13 سبتمبر 2025

تسجيل

لا بأسَ من سماع الآخر

02 مايو 2018

دعا الكاتب والروائي الروسي (سيرغي بليخانوف) إلى أهمية الإطلاع على الأرشيف الروسي المختص بمنطقة الخليج العربي ودولة قطر. وقال في محاضرة له بمركز حسن بن محمد للدراسات التاريخية بالتنسيق مع الملتقى القطري للمؤلفين، الأسبوع الماضي، "إن المستكشف الروسي (أفاناي بيكتين) زار منطقة الخليج العربي عام 1470 قبل 30 عاماً من وصول المستكشف البرتغالي (فاسكو دي جاما) إلى مناطق غربي الهند وشرق إفريقيا، سالكاً بذلك طريق سلفه (بارثولومبو دياز) الذي اكتشف رأس الرجاء الصالح ، منهياً بذلك (طريق الحرير) الذي يربط الهند بأوروبا.   وأضاف المُحاضر أن الروسي ( فأناي بيكتين) دخل (هرمز) عام 1470 ومرّ بعدة مدن على شاطئ الخليج الشمالي والجنوبي، كما مرّ بالهند وبعض المدن الفارسية والبصرة. ولقد دوّن المُستكشف الروسي ملاحظاته في كتاب، وهو أول روسي كتب عن منطقة الخليج العربي.  وقال المحاضر (بليخانوف) إنه من الضروري أن يطلع العرب على الأرشيف الروسي، حتى تتكون لديهم رؤية أوسع لأن العرب اعتمدوا فقط على الأرشيف البريطاني والعثماني، مشيراً إلى أن الاطلاع على الأرشيف الروسي يثري المعارف، لأن الإمبراطورية الروسية كانت من أهم اللاعبين في المنطقة إلى جانب بريطانيا وتركيا. كما أشار المحاضر إلى أن القنصل الروسي (ألكسندر آلاموج) كتب وصفاً منطقياً وموضوعياً عن دولة قطر، ووصف فيه السكان وكيفية معاشهم ، وذلك عام 1912، كما أشار إلى كتاب (جودارسيكي) الموسوم ( السياسة البريطانية والعلاقات الدولية في الخليج العربي) ، داعياً الباحثين والمؤرخين في قطر إلى الإطلاع على هذا الكتاب وما جاوره من وثائق ومراجع، ودعا إلى تشكيل لجنة قطرية روسية ، للبحث في تلك الوثائق التي تأتي بوجهة نظر مختلفة عما تم الاعتماد عليه في السابق. هذه دعوة لسماع الآخر، وهي جديرة بأن تؤخذ في الاعتبار، لأن التاريخ العربي قد أخذ اتجاهاً أحادياً، وكما نعرف فإن التاريخ يكتبه - فقط - المنتصرون، ونادراً ما تسمح الدول بنشر الحقائق إن كانت تعارض مع سياساتها ، أو تطول أحد رموزها المخالفين لقيم العدالة والديمقراطية! و لقد حمل لنا التاريخ العديد من المشاهد التي بقيت لأكثر من ثلاثين عاماً التوتاليتارية والسلطوية في مناطق عدة من الوطن العربي، ولم يُسمح لأي مواطن أن يفتح فمه بكلمة تتعارض مع تلك النظم ، إلا وغُييب في السجون دون أن يعلم بمصيره أحد!. نحن نعتقد أنه من الضروري أن ينفتح العرب على الآخرين ، ويسمعوا كلمة الآخر، فالاطلاع لا يضر قدر ما ينفع!؟ ثم إن كان التاريخ قد سجّل مشاهد سلبية عن مجتمع من المجتمعات، وهي حقيقة، فلماذا يُخفيها المؤرخون أو القائمون على البحث التاريخي؟! لقد كانت مصالح بعض الدول العربية متوافقة مع مصالح الدولة العثمانية أو الإمبراطورية البريطانية، وهذا ما حتّم أن يعتمد المؤرخون العرب على الأرشيف البريطاني أو الأرشيف العثماني ، دون غيرهما. الدعوة لسماع الآخر مهمة - ليست فقط في الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي – ولكن أيضاً في الجانب التأريخي والتوثيقي، لأن عيون المستكشفين تختلف حسب بيئاتهم وثقافتهم ومصالحهم ! كما أن كلام المؤرخين ليس مُنزهَا عن التحريف أو الممالئة!  لذلك، فإنه من المفيد أن تتبنّى جهة ما هذا المشروع المطروح، وتتم ترجمة ما يخص منطقة الخليج العربي من ذاك الأرشيف ، خصوصاً في (معهد الاستشراق للدراسات الشرقية) الذي يضم أكثر من 100 ألف وثيقة ، جزء كبير منها لم يطّلع عليه أحد، وهي مكتوبة باللغة الفرنسية التي كانت اللغة الدبلوماسية العالمية حتى عام 1845 ، كما قال المُحاضر. أعتقد أنه من الضروري أن نحاول إعادة قراءة تاريخ المنطقة ، لأن التحولات السياسية والتجاذبات والمصالح بين الدول والشخصيات المؤثرة في الأحداث ، قد أخفت بعض ملامح الحياة وحقائق التاريخ. ولا بد أن تعرف الأجيال القادمة تلك الحقائق كما حصلت، وإن كان بعضها مُرّاً ، أو قد يُثير البعض. إن كتابة التاريخ أمانة، ولقد تم الاعتراف عن تلك الأمانة لحتميات سياسية واقتصادية ومصالحية ، ولارتباط الشخصيات أو العائلات ببعض القوى الأجنبية! فلقد ذكرَ المُحاضر أن هنالك جماعات معينة كانت تمتهن الإغارة على الآخرين وتنهبهم أموالهم وحلالهم ، وتلك الجماعات عُرفت بالقسوة والعنف ، لكن التاريخ لم يُظهر لنا تلك الحقائق، بل تم التستر على تلك الأعمال المُخالفة للمنطق ولإنسانية البشر!؟ بل صارت مناقشة تلك الحقائق تهمة قد تودي بصاحبها إلى السجن أو القتل! ناهيك عن الأطر السياسية التي أدارت الحياة الاجتماعية والاقتصادية في العصر العثماني وما بعده من تطورات وتحالفات مع الإمبراطورية البريطانية. لا بد من تحرير العقل العربي من ربقة الانحياز و"تأليهِ" النظرة الأُحادية للأمور، ولا بد من تعويد الأجيال القادمة على الانفتاح وقراءة الحقائق كما حدثت، لا كما أراد كُتاب التاريخ المؤدلجون أو "القابضون" روايتها ، بل وتزييفها. ونأمل أن يتحقق مشروع الترجمة الروسية إلى العربية فيما يخص منطقة الخليج العربي من الأرشيف الروسي.