19 سبتمبر 2025
تسجيلالحكومة التركية بصدد اتخاذ إجراءات لإصدار قانون يمنع أهالي ضحايا السفينة مرمرة من تقديم شكاوى للقضاء التركي، لمحاكمة الضباط والجنود الإسرائيليين الذين ارتكبوا مجزرة على ظهر السفينة، وتسببوا في قتل وجرح العشرات من المواطنين المسالمين الأتراك. هذا ما أعلنته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ولم يقم أي مسؤول تركي بنفيه. يأتي ذلك بعد رفض أهالي الضحايا الاعتذار الاسرائيلي، واعتبروا أن شرطهم الأساسي لم يتحقق، ألا وهو رفع الحصار الإسرائيلي نهائيا عن القطاع، وأن قضاياهم ضد الإسرائيليين لا تزال سارية المفعول أمام المحاكم التركية، ما دام الحصار قائما. جاء ما يسمى بـ(الاعتذار) الإسرائيلي لتركيا بترتيب مباشر من الرئيس أوباما أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة، ليضع ملف العلاقات بين الطرفين التركي والإسرائيلي على الطاولة من جديد. الإعلام التركي حاول الإيحاء حينذاك بأن اسرائيل خضعت للطلب التركي! فقد تناولت صحيفة "يني شفق" التركية الموالية "لحزب التنمية والعدالة" هذا الموضوع تحت عنوان رئيسي فيها "تركيع إسرائيل"، فمن وجهة نظر أنقرة فإن تل أبيب استجابت للطلبات التركية: قدمت الاعتذار، وستدفع تعويضات لأهالي ضحايا ومصابي سفنية "مرمرة" التي تعرضت لاعتداء وحشي في 31 مايو2010 وذهب ضحيته تسعة أتراك وأصيب العديد، وأن إسرائيل ستعمل على رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، هذا وفقاً لتصريحات العديد من المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم أحمد داود أوغلو وزير الخارجية، حول الشرط التركي الثالث (برفع الحصار عن غزة)، جاء في البيان الذي أصدره رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو حول هذا الموضوع "أن إسرائيل لن ترفع الحصار كلياً عن قطاع غزة والضفة الغربية وأنها سترفع بعض القيود عن حركة المواطنين الفلسطينيين والبضائع". البيان الإسرائيلي تضمن أيضاً أن تركيا وافقت على إغلاق ملف الإجراءات القضائية التي تبنتها قبلاً ضد الجنود الإسرائيليين. هذا الأمر لم تجر الإشارة إليه من قبل أي مسؤول تركي. بداية، فإن من الضروري التأكيد على أن العلاقات التركية-الإسرائيلية تأثرت قليلاً بعد العدوان الهمجي على السفينة مرمرة، وبعد إهانة السفير التركي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، لكنها لم تنقطع! فقد تم سحب السفير التركي من تل أبيب في ظل عدم قطع العلاقات الدبلوماسية، هذا من جانب. أما من جانب ثان فإن العلاقات العسكرية والأخرى الأمنية بقيت كما هي، متينة بين الجانبين أما العلاقات الاقتصادية فيشير ميزان التبادل التجاري بين الجانبين إلى أن حجم التجارة بين البلدين في عام 2009 بلغ ثلاثة مليارات دولار، وخمسة مليارات في عام 2011. الصحف الإسرائيلية أجمعت من جانبها على أن التقارب بين البلدين (بعد الهجوم الصهيوني على السفينة التركية) قد تم الإعداد له في السنتين الأخيرتين وبحماسة شديدة في الولايات المتحدة والناتو، وأن ما سرّع التوصل إليه هو التطورات في سوريا وتدخل جون كيري وأوباما شخصياً في هذا الملف، وكذلك خشية البلدين من خطر انتقال الأسلحة الكيماوية إلى حزب الله والتنظيمات الأصولية. بالنسبة للعلاقات التركية – الإسرائيلية (بعد الاعتذار) وتأثيرها على القضية الفلسطينية فإن فك الحصار كلياً هو غير تخفيفه، لكن تركيا لم تجعل من شرط إنهاء الحصار على غزة قضية رئيسية!! فقد أعلن أردوغان بعد الاعتذار أنه سيقوم بزيارة إلى قطاع غزة. الأمر يبدو وكأنه "مجاملة سياسية تركية للفلسطينيين ليس إلا" في نفس السياق تأتي الاتصالات الهاتفية التي حرص أردوغان على إجرائها مع محمود عباس وإسماعيل هنية وخالد مشعل، ووضعهم في أجواء ما يسمى بــ(الاعتذار الإسرائيلي) هو محاولة "تبرئة ذمة" من قبل تركيا وأردوغان شخصياً وحزب التنمية والعدالة، أمام تراجع الالتزام التركي عن عدم إعادة العلاقات مع إسرائيل قبل رفع الحصار الصهيوني الكامل للقطاع، وهو محاولة أيضاً لكي يبدو الفلسطينيون وكأنهم موافقون على عودة العلاقات التركية - الإسرائيلية إلى طبيعتها، حركة حماس في بيانها الصادر حول هذا الموضوع اعتبرته (انتصاراً وإنجازاً كبيرين). السلطة الفلسطينية لم تُصدر أي بيان ضد عودة هذه العلاقات، رغم الحصار المستمر المفروض على قطاع غزة وأيضاً إلى حد ما على الضفة الغربية. دول الحراكات العربية، وخاصة مصر وتونس والحزبين الحاكمين فيهما (حزب الحرية والعدالة في مصر وحركة النهضة في تونس) وهما يمتلكان أوثق الصلات مع حزب التنمية والعدالة التركي، اعتبرا أن عودة علاقات تركيا مع اسرائيل وكأنه أمر طبيعي. على ما يبدو، فإن أردوغان لا يدرك حقيقة إسرائيل، فهو رغم مجازرها ضد الفلسطينيين والعرب والسفينة التركية، وافق على إعادة العلاقة معها إلى كامل طبيعتها السابقة.