29 أكتوبر 2025

تسجيل

حق التعبير واليوم العالمي لحرية الصحافة

02 مايو 2012

يحتفل العالم اليوم الخميس باليوم العالمي لحرية الصحافة كتقليد سنوي يهدف إلى التذكير بالدور المهم والفاعل الذي تضطلع به الصحافة تحديدا ووسائل الإعلام بصفة عامة في تعزيز حرية الرأي والتعبير والديمقراطية البناءة التي تشجع التنمية والتطور في كافة أرجاء العالم، وفي البداية لا بد من تدوين تحية للذين اختاروا القلم سلاحا في عالم الإعلام الواسع بمختلف وسائله، الذين انتهجوا نهج الكلمة الحرة لوضع بصماتهم في هذه الحياة، وإيصال المعلومة بكل أمانة وصدق ومسؤولية، على كل الجهود التي يبذلونها لتطوير الأداء الإعلامي ونشر الوعي بحرية حقوق التعبير في أوساط مجتمعنا، باعتبار أن معيار حرية الصحافة في المجتمع يعد مؤشرا على الحريات العامة للشعب.ويعتبر هذا اليوم الاحتفائي فرصة مناسبة لإلقاء الضوء على أوضاع حرية الصحافة العربية ومسيرة حرية الإعلام العربي لاستحضار تلك المهام والأدوار الشاقة والخطيرة التي يؤديها الصحفي والإعلامي العربي وهو يقوم بدوره الرسائلي في تقصي الحقائق من أجل تزويد القارئ أو المستمع أو المشاهد العربي بالأخبار اليومية مهما كلفه ذلك من تضحيات. كما يعد هذا اليوم، الذي يحتفل به العالم منذ إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993 تسميته بيوم الصحافة العالمي، مناسبة للتعريف بالدور الذي يمكن لوسائل الإعلام القيام به تحقيقا لمصلحة المواطنين ولتعريف الشعوب العربية بانتهاكات حرية الصحافة وحق التعبير عن الرأي، حيث لا تزال تقارير المنظمات الدولية تصنف المنطقة العربية بالجزء المعتم من العالم سواء من حيث غياب وسائل الإعلام المستقلة أو الاستمرار في فرض رقابة حكومية تصل أحيانا إلى حد القمع. وبإلقاء نظرة عن قرب لحال الإعلام العربي اليوم وعلى مدى عام كامل منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، نجد أن الإعلام قد صنف نفسه بنفسه إلى قسمين لا ثالث لهما، فإما إعلام ينقل ويغطي الحدث فقط، أو إعلام فعال يلعب دورا كبيرا في حث الشعوب المضطهدة على الاحتجاج من أجل التغيير في العالم العربي، حيث لا يوجد في فقه ثورات الشعوب حياد بين الضحية والجلاد، رغم أن هذا الإعلام الفعال ربما يخفي وراء فعاليته مصالح وأهدافاً وأجندات خفية.إن الإعلام العربي الفعال قد حقق مكاسب جمة، ربما سلبا أو إيجابا، بعد ثورات الربيع العربي على صعيد حرية الرأي والتعبير، رغم مواقف عدد من وسائل الإعلام المتباينة والمتأرجحة ما بين الغناء المترف عند الجلاد والإضراب جوعا في ميدان الصمود تضامنا مع الضحية، ورغم أن هذه الثورات قد مثلت فألاً غير حسن وكانت بمثابة نذير شؤم على بعض وسائل الإعلام والإعلاميين، فلقد تمثل نجاح الإعلام العربي الفعال في مواقف بعض وسائل الإعلام الداعمة للشعوب العربية الثائرة، والتي لعبت دورا سياسيا وإعلاميا وإنسانيا مقدرا على الصعيد الدولي في حشد وبلورة الرأي العام العالمي من أجل الوقوف مع مبدأ حق الإنسان العربي في ثورته، وقامت بتعرية حقائق ظلت طي التكتم وحرصت بكل ما أوتيت من خبرات مهنية وفنية على كشف زيف وتضليل أبواق الإعلام المناهض والمضاد لحراك الثورات العربية وعلى إبراز الحقيقة من قلب الأحداث في ساحات تلك الثورات، في الوقت الذي كانت فيه الأنظمة الحاكمة ووسائلها الإعلامية أكثر حرصا على إخفاء تلك الثورات وإظهار عكسها.ونجد في ذات الوقت أن بعض وسائل الإعلام قد فقدت مصداقيتها خلال تغطيتها أحداث الربيع العربي، وذلك بتحيزها الواضح للأنظمة الديكتاتورية وإثارتها لبعض المشاكل واختلاق الأكاذيب وابتعادها عن مبادئ المهنية والحياد في تناولها الإعلامي للأحداث، للدرجة التي أصبح معها ذلك الإعلام سببا رئيسيا في عدم شعور المواطن العربي بالأمن والأمان، بل وإصابته بفوبيا الأحداث، فهل هناك احتمال لقيام ثورات إعلامية تطالب بإسقاط وسائل الإعلام هذه كما سقطت من قبل بعض الأنظمة والحكومات؟ومثلما أسهمت وسائل الإعلام المستقلة بقوة في إحداث الربيع العربي، فلقد أسهمت ثورات الربيع العربية أيضا في تحرير وسائل الإعلام المحلية في بلدانها، ولم تكن عملية تغيير أنظمة وسائل الإعلام والبيئة الإعلامية السائدة في البلدان التي تنفست الصعداء وأقامت كرنفالات النصر احتفاء بسقوط حكومات دكتاتورية دامت لفترات طويلة بالأمر السهل، فقد استمرت ذات وسائل الإعلام التي تديرها الدولة تعمل كما في السابق بعد الثورة مع بعض التعديلات البسيطة، ورغم اختفاء بعض القيادات الإعلامية وكبار المحررين أو الناشرين في دول الربيع العربي، إلا أن غالبية قوة العمل بالإضافة إلى السياسات الإعلامية ما تزال على ما هي عليه ولم تتغير بشكل كبير.وفي الوقت نفسه ورغم أن كل دول الربيع العربي قد استعادت حقها في الحرية، فلا يزال بعض صحفيي ومراسلي تلك الدول، لم يستعيدوا حقهم في حرية التعبير، فحتى الآن ما زالت هناك صعوبات جمة تقف حائلا دون تحرير الإعلام في العالم العربي بصورة كاملة رغم الثورات، ولذلك نجد أن حرية الإعلام تواجه خطرا محكما في تلك البلدان، لأن رياح الربيع العربي يفترض بها أن تجتاح الإعلام أيضا لتحدث فيه تغييرا جذريا، وألا يقتصر التغيير على مستوى القصور الرئاسية فقط.ولا بد لكثير من حكومات البلدان التي لم تجتاحها رياح الثورات العربية أن تعي هذه الدروس والعبر المستقاة من واقع سياسات القمع والتضييق على الناس وتقييد حقوقهم في حرية التعبير عن آرائهم، وأن تبدأ من الآن - إن لم تكن قد بدأت - في انتهاج سياسة إعلامية مختلفة وعمل الإصلاحات اللازمة في قوانين الصحافة وحرية التعبير التي من شأنها زيادة هامش حرية التعبير والرأي.ورغم النقلة النوعية للإعلام القطري الذي يمثل أحد الركائز الأساسية لمناخ حرية الإعلام التي أرسى دعائمها حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، فإن دور الإعلام يتطلب من وسائل الإعلام القطرية جهدا أكبر لإبراز دور قطر الكبير في كل المجالات والمحافل، ويجب ألا ينسَ الناس أن لقطر علينا كإعلام وإعلاميين حقا لا بد من الوفاء به، فالاستقلالية التي ينعم بها الإعلام القطري اليوم في ظل أجواء حرية التعبير والرأي التي عمت أرجاء البلاد عقب الخطوات التي اتخذها صاحب السمو الأمير بإلغاء الرقابة على وسائل الإعلام كأول خطوات إصلاحية من نوعها في المنطقة، إنما تؤكد أن رياح التغيير والحرية قد بدأت انطلاقتها من قطر.ومع انتشار وسائل الإعلام الحديث من مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، فإننا الآن في أمس الحاجة لوجود إذاعات وصحافة وقنوات تليفزيونية ومراكز إعلامية قطرية فعالة، تعبر بكل كفاءة وشفافية ومهنية عالية عن التطورات السريعة التي تشهدها الدولة والمجتمع القطري في ظل مناخ الأمن والاستقرار الذي تنعم به البلاد، وتبرز الإنجازات القطرية على المستوى الإقليمي والعالمي، وتسوِّق أفكار ورؤى الدولة المستقبلية في تخطيط وتمويل ووضع اللبنات الأساسية للمشاريع الضخمة التي قامت وتقوم قطر حاليا بتنفيذها على أرض الواقع.والتحديات التي يواجهها الإعلام القطري كثيرة، تتطلب الكثير من المعاناة وتكبد المشاق، فالرحلة طويلة ولا تحتمل التباطؤ أو التخاذل، فلابد من وجود أذهان متحررة من قيود الرسائل والنماذج الإعلامية المملة التي تقدم لأهل قطر والمنطقة إعلاما منزوع الدسم الثقافي ودون هوية. وهذه دعوة لكافة الإعلاميين القطريين وغير القطريين للمساهمة في بذل المزيد من الحب والخير لقطر، ذلك الحب الذي يضطرنا لأن نعلنه ونصرح به للعالم أجمع.إن التوجه الإعلامي الحالي في قطر لا يسير متوازيا مع النهضة الحضارية الكبرى التي تخطوها الدولة بخطوات رائدة نحو المستقبل المشرق الذي تشرئب إليه أعناق وقلوب أهل قطر بكافة أطياف فئاتهم العمرية، شيبا وشبابا وأطفالا. وحتى توجه قناة الجزيرة الإخباري نجده أيضا لا يعبأ كثيرا بما يدور في قطر من إشراقات اقتصادية واجتماعية يمكن لها أن تضيء ظلمات ما وراء البحار والمحيطات إن وجدت ما تمتلكه الجزيرة ووسائل الإعلام القطرية الأخرى من إمكانات احترافية كبيرة وقاعدة تقنية تكنولوجية متطورة ومهارات مهنية وآلية تحليل ورصد. إن انعقاد عدد من المؤتمرات الدولية في فترة وجيزة في قطر في الآونة الأخيرة يعتبر وحده دليلا على أن سقف حرية الرأي والتعبير بها عالي المكانة والقيمة، الشيء الذي منحها ثقة المجتمع الدولي، ولكن هذا الانفتاح على العولمة لا بد أيضا أن يواكبه مزيد من الممارسة المجتمعية لثقافة حرية التعبير والرأي، فحرية الرأي هي أساس حياة المجتمع، وهي لا تأتي إلا بممارسة الشعب القطري لها من خلال الانتخابات البرلمانية ومنظمات المجتمع المدني، وهنا يأتي الدور المتعاظم للحكومة القطرية في تثقيف المجتمع ونشر وعي ثقافة حرية الرأي والتعبير في أوساط المجتمع ووضع الآليات المطلوبة لدعم حرية الإعلام بما يتماشى مع مبادئنا وقيمنا الإسلامية، ومنها قانون الأنشطة الإعلامية، الذي ما زلنا نسمع باللقاءات والنقاشات حوله ولا نراه، حيث لا يزال القانون معلقا ينتظر إنزاله إلى أرض الواقع، ونتمنى صادقين أن يرى النور. لقد خطونا خطوات واسعة في الاتجاه الصحيح تستشرف المستقبل المفعم بالأمل والتفاؤل والطموحات والواقعية، ولكننا نشعر بأن خطواتنا تلك ما زالت بطيئة في عالم متسارع.