16 سبتمبر 2025

تسجيل

انتخابات تركيا المحلية.. والبطاقة الصفراء

02 أبريل 2024

شكلت نتائج الانتخابات التركية المحلية الأخيرة مساء الأحد الماضي انتكاسة حقيقية لحزب العدالة والتنمية برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد أن خسر المدن التركية الرئيسة مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، وفقد معها بعض المدن الأخرى التي كانت لعهد قريب من معاقله التاريخية، وتراوحت تحليلات المتابعين والمحللين في الحديث عن جذور الهزيمة التي لم يسبق أن فاز خصمه حزب الشعب التركي بهذا الفوز منذ عام 1976، بين أسباب بنيوية وأسباب خارجية، لكن بالمحصلة فقد عكست النتائح التغير المزاجي الانتخابي التركي بعد فوز أردوغان بالرئاسة على منافسه في مايو/ أيار من العام الماضي، مما عنى أن مياهاً كثيرة جرت خلال هذه الأشهر، فدفعت الناخب التركي إلى التصويت لحزب الشعب. لعل حديث الرئيس التركي أردوغان بعد الهزيمة عن غزة أعطى مؤشراً على دورها في هذه الهزيمة، فالناخب التركي المحافظ أبدى انزعاجه لتعاطي الحكومة السلبي مع ما يحصل من جرائم ومجازر على مدى أكثر من ستة أشهر، خصوصاً وهو يرى التقارير عن إرسال مواد غذائية ومياه، ومواد متفجرة حتى من تركيا إلى الكيان الصهيوني، مما زاد حنق وغضب الشارع التركي المحافظ على الحكومة، فدفعه ذلك إما للتصويت لصالح حزب الرفاه الإسلامي بزعامة فاتح أربكان نجل الزعيم التركي المؤسس للحزب الإسلامي فيها نجم الدين أربكان، أو بمقاطعة الانتخابات أصلاً، وهو ما أدّى إلى خسارة حزب العدالة والتنمية أصواتاً كثيرة، وقد أُفيد بالأمس عن مقاطعة 14 مليون ناخب من أصل 61 مليون ناخب لهذه الانتخابات، وهي النسبة الأكبر على الإطلاق في تاريخ الانتخابات التركية منذ عام 2014، مما عنى أن السبب الرئيسي للهزيمة كان ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع. كان لتشتت أصوات المحافظين الإسلاميين بين معسكر أردوغان وفاتح أربكان دور مهم في الهزيمة، بعد أن ترجم أربكان تفوقه بفوزه ببعض البلديات مثل شانلي أورفا التي كانت معقلاً من معاقل أردوغان، وأتت الصور الأخيرة التي كان الناخبون قد كتبوا على أوراقهم الانتخابية غزة تنزف، أو «بعتنا فبعناك»، كدليل واضح على حضور غزة في هذه الانتخابات. وحين الحديث عن الانتخابات التركية محلية كانت أو تشريعية أو رئاسية يبرز بالتأكيد دور الاقتصاد، المحرّك الأساسي للناخب التركي وللسياسة التركية، فقد تراجع الاقتصاد خلال الأشهر الماضية وتسببت السياسة المالية للدولة في الأشهر الأخيرة بكارثة حقيقية تجلّت في تدهور العملة أمام الدولار والعملات الصعبة، بالإضافة إلى التضخم الكبير في السوق التركية، وفوق هذا ارتفاع الفائدة الربوية إلى 50 %، مما دفع بعض رجال الأعمال إلى بيع عقاراتهم كسباً للفائدة الربوية وهو ما تسبب في حالة الركود، ومع تنامي العنصرية ضد الأجانب في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار، ولاسيما ضد السوريين، دفع هذا التجار ورجال الأعمال إلى الهروب بأموالهم، بالإضافة إلى هروب كثير من الأيدي العاملة التي كانت تلعب الدور الأساسي في تشغيل المصانع والمعامل، وهو العجز الذي تواجهه هذه المعامل اليوم، بعد هروب العمال نتيجة المضايقات والاعتقالات التي تعرضوا لها. وما دمنا نتحدث عن اللاجئين ودورهم في الانتخابات، فإن أكثر من حمل لواء مناهضة اللاجئين فهو السياسي التركي أوميت أوزداغ زعيم حزب النصر، وهو الذي فشل فشلاً ذريعاً في هذه الانتخابات، حتى أنه لم يتمكن من الحصول على أي مقعد بلدي فيها، كما فشل في انتزاع مجرد منصب مختار لأي حي، وهو ما أثبت أن التهويل من دور ورقة اللاجئين في عملية تصويت الناخب التركي لم تكن في محلها، وربما كانت فخاً وقع فيه حزب العدالة. ثمة سبب ثالث لهذه الهزيمة الساحقة وهو عدم التنسيق بين حزب العدالة وحليفه دولة باهتشلي الذي يقود حزب «مي هي بي» في مقاعد بعض الولايات، حيث ظن الحزبان أن حظوظ منافسهم حزب الشعب ضعيفة إن لم تكن معدومة، فعمدا إلى ترشيح مرشحيهما لمنصب رئيس البلدية، فكانت النتيجة أن تشتتت أصواتهما، وفاز لأول مرة مرشحو حزب الشعب في أربع ولايات على الأقل وهي كوتاهية، وأماسيا، ويوزغات، وكيليس. بدون شك فإن انتخابات تركيا بطاقة صفراء للحزب الحاكم، وربما أكثر من صفراء، لاسيما وأن الحزب الذي تسيّد لحكم تركيا منذ عام 2002، يراه البعض قد أصابه الترهل والفساد، ولذا فإن الناخب التركي الذي لمس تلك النهضة التركية على أيدي حزب العدالة في الأعوام الأولى لم يعد هو نفسه فقد برز جيل جديد، ولكل جيل أهدافه ومطامحه وآماله واستحقاقاته.