19 سبتمبر 2025
تسجيلارتفع مستوى التضخم في الكثير من أنحاء العالم خلال العام الماضي، إلى معدلات لم نشهدها منذ عقود ليتجاوز نسبة 10٪ في العديد من الاقتصادات المتقدمة. وكانت دول الخليج أقل تأثرًا بارتفاع معدلات التضخم، بفضل فوائض ميزانياتها وعملاتها المربوطة بالدولار الأمريكي، لكن التضخم لا يزال يُشكل مصدر قلق. وقد نوقشت هذه المسألة بالتفصيل في منتصف شهر مارس الماضي خلال اجتماع لمجلس الشورى أعرب خلاله أعضاء المجلس عن قلقهم إزاء غلاء تكاليف المعيشة وارتفاع مستويات التضخم في قطر. ومن المتعارف عليه أن الكثير من أسباب ارتفاع التضخم الحالي تُعزى إلى مشاكل شبكات التوريد وشح الانتاج. فقد تسببت جائحة كوفيد-19 في إغلاق المصانع، لذلك عندما زاد الطلب في نهاية عمليات الإغلاق، كان هناك نقص في بعض المكونات، مثل الرقائق الإلكترونية. ثم أثر الصراع في أوكرانيا الذي اندلع خلال شهر فبراير 2022 على الإمدادات الغذائية وتسبب في حدوث اضطراب عالمي في سوق الطاقة. وفي استجابة لذلك، تم رفع أسعار الفائدة حول العالم للتحكم في مستوى التضخم. وفي قطر، بلغ معدل التضخم ذروته عند مستوى 6٪ خلال شهر سبتمبر 2022، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى زيادة النشاط الاقتصادي خلال مرحلة الاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم، لكنه بدأ في الانخفاض قبل انطلاق البطولة وخلالها في شهري نوفمبر وديسمبر. وفي الواقع، كان مستوى التضخم منخفضًا ويمكن حتى أن ينخفض بشكل أكبر في معظم القطاعات، باستثناء قطاعي الترفيه والسكن. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل التضخم في قطر خلال الفترة ما بين عامي 2023-2027 إلى حوالي 2٪. وعلى الرغم من أن البيانات المسجلة خلال الشهرين الماضيين كانت تشير إلى انخفاض مستوى التضخم، فقد سُجلت ارتفاعات تراكمية في الأسعار على مدى العامين الماضيين مع ارتفاع مستويات الدخل بمعدل أقل. لذا، عاش الكثير من الناس تجربة التعرض للضغوط الناجمة عن التضخم، وهي القضية التي تناولها مجلس الشورى. ويلاحظ أن العديد من السلع والخدمات المماثلة باتت أغلى من دول الخليج الأخرى، وأن الأسعار أصبحت أعلى بكثير مما كانت عليه في عام 2019، قبل انتشار جائحة كوفيد-19. ويتعين على دولة صغيرة مثل قطر استيراد معظم السلع، لذلك فإن التضخم يُستورد من الخارج إلى حد كبير. وقد أدخلت الحكومة إعانات على بعض المواد، وخاصة المواد الغذائية، وهذا أفضل من زيادات الأجور في القطاع العام، التي سيكون لها تأثير سلبي أكبر على الميزانية على المدى البعيد. ويجب أن يتوسع البرنامج ويستهدف المواد الأساسية ومساعدة الأشخاص ذوي الدخل المنخفض. وتطبق قطر مبادئ اقتصاد السوق الحر، ولكن هناك بعض الموردين الذين يستأثرون بحصة سوقية كبيرة، ويمكن اتخاذ المزيد من التدابير لتعزيز القدرة التنافسية. وقد تم مناقشة ذلك باستفاضة في الاجتماع الأخير لمجلس الشورى، حيث أكد الأعضاء على ضرورة اتخاذ تدابير لتعزيز التنافسية بهدف حماية المستهلك، ورحبوا بالتزام الحكومة بالقيام بذلك، ويجب وضع مؤشرات أداء رئيسية لمراقبة أداء الجهات المختصة. ويتعين الاستمرار في تعزيز عملية تنويع مصادر الاقتصاد، بحيث تنتج البلاد المزيد من المواد المستهلكة محليًا، بما في ذلك المواد الغذائية. ومن شأن ذلك أن يساعد في تقليل معدلات التضخم، وقد تم إحراز بعض التقدم في هذا الأمر خلال السنوات الأخيرة. كما أن التخفيض المؤقت لبعض ضرائب الواردات من المواد الأولية أو المنتجات الاستهلاكية قد يساعد على خفض التكلفة وكبح التضخم. ويمكن للحكومة أيضًا بذل المزيد من الجهود لتحسين كفاءة سلسلة التوريد، على سبيل المثال في الموانئ؛ ويمكن كذلك أن تقلل بعض الرسوم التي تفرضها الإدارات الحكومية، مثل تحصيل نفس التكلفة التي تفرضها الحكومة على الشركات الكبيرة من الشركات الصغيرة عند استصدارها لتراخيص معينة. ويمكن لهذه الإصلاحات أن تساهم في كبح جماح التضخم.، وهناك دراسة حالية لمستوى الرسوم ونأمل في صدور نتائج إيجابية لهذه الدراسة. ويجب التأكد من انعكاس أي تخفيضات في الرسوم الحكومية أو الضرائب على المستهلك وألا تكون أداة لرفع ربحية المستورد. وفي السياسة النقدية، تعمل أسعار الفائدة المرتفعة على كبح التضخم عبر تقليل المعروض النقدي وخفض تضخم أسعار الأصول. لكن أسعار الأصول في قطر، بما في ذلك أسواق العقارات والأسهم، دأبت على الانخفاض في الفترة الأخيرة. ويمكن أن يساهم ارتفاع السيولة في تقليل التكاليف بالنسبة للبنوك وعملائها، ولن يحدث آثارًا ترفع التضخم، بل إنه قد يحد من التضخم حيث يمكن للبنوك أن تمرر المدخرات في شكل سعر فائدة أقل لقروض العملاء من الأفراد والشركات. وقد كان مجلس الشورى محقًا في تحديد التضخم باعتباره خطرًا جسيمًا وفي محاولته للتعامل مع هذه المسألة. وهناك الكثير من الإجراءات التي يمكن لواضعي السياسات القيام بها للحد من نوبات ارتفاع الأسعار والتضخم، وستكون هذه الإجراءات مفيدة بغض النظر عن مستوى أسعار الفائدة العالمية.