15 سبتمبر 2025
تسجيلإن العقيدة الإسلامية ليست غريبة عن الفطرة الإنسانية السليمة ولا مناقضة لها، بل هي على وفاق تام وانسجام كامل معها، وليس هذا بالأمر الغريب ؛ إذ ان خالق الإنسان العليم بحاله هو الذي شرع له من الدين ما يناسب فطرته التي خلقه عليها، كما قال تعالى: ((فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) وقوله: (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) والواقع شاهد على موافقة الفطرة للعقيدة الإسلامية القائمة على الإخلاص لله وحده، فما أن يصاب الإنسان بضر تعجز أمامه القوى المادية إلا ويلجأ إلى الله تعالى في تذلل وخضوع، ويستوي في ذلك الكافر والمؤمن، " هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ *فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ " يونس: 22 — 23 — وهذا هو فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية لما أدركه الغرق لجأ إلى الله تعالى "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)بل إن الطفل الصغير، لو تُرك على حاله — دون أن يؤثر عليه والداه، أو البيئة من حوله — لنشأ معتقدًا بالله تعالى ربًّا وإلهًا لا يعبد سواه ؛ لذلك قال رسول الله :( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه (والمعنى أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه بعد أن ولد على الفطرة، كما تجدع البهيمة بعد أن خلقت سليمة. وقال : (يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي كلهم حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم )، فنهى سبحانه عن تبديل هذه الفطرة، فطرة الإيمان بالخالق سبحانه والإقرار له بالألوهية والربوبية والوحدانية.وقد قال قديماً أحد الأعراب: (إذا كانت البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فأرض ذات فجاج، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على اللطيف الخبير ).ومهما حاول الملحدون إنكار وجود الله المدبر سبحانه وتعالى فإنهم لن يقدروا على طمس معالم التدين في غريزة الإنسان، لأن إنكار وجود الخالق المدبر سبحانه إنكار لذات الفطرة الإنسانية، وتنكر لمتطلباتها، وجعلها في حرمان دائم مما يغذيها ويحييها، فحرمانها يعني إماتتها، ومتى ماتت غريزة التدين عند الإنسان أصبح عديم الإيمان بخالقه سبحانه، وفي ذلك الشقاء الأبدي، لأن السعادة كل السعادة في الدنيا والآخرة في الإيمان بالله تبارك وتعالى، قال سبحانه: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ). لا سعادة ولا حياة للإنسان في هذه الدنيا إلا بالإيمان. إنَّ الدنيا إذا خلتْ من الإيمانِ فلا قيمة لها ولا وزن ولا معنى. الحياة بلا إيمان لعنةٌ وغضبٌ وسحقٌ وتهافتٌ، قلقٌ وهمومٌ وغمومٌ، وتشنجٌ وانتحارٌ وسلبٌ ونهبٌيقولُ إقبالُ:إذا الإيمان ضاع فلا أمانَ * ولا دنيا لمن لم يحي دينَاومَن رَضِيَ الحياة بغير دِين* فقد جعل الفناء لها قرينَاإن هذه العقيدة هي الروح لكل إنسان، يـحيا بها الحياة الطيبة، في الدنيا قبل الآخرة، وبفقدها يموت الموت الروحي، قال تعالى " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " النحل: (97)إذ هي النور الذي إن عمي عنه الإنسان ضل في متاهات الحياة وهوى في غياهب الضلالة. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا " طه 124 — (125) هذا وبالله التوفيق