18 سبتمبر 2025
تسجيليحتل موضوع العلاقات الاجتماعية في علم الاجتماع مكانة هامة، حيث يعكس ارتباط الجماعة البشرية ببيئتها وثقافتها ومدى وقوة هذا الارتباط. طبقاً "لدانيال ليرنر" وهو أستاذ وباحث في العلوم الاجتماعية أن مراحل التطور التي يمر بها المجتمع تكشف عن نوعين من الانقسام تجدهما في كل مجتمع.. ❶ انقسام عمودي حيث التمايز تبعاً للهوية الموروثة سواء القبيلة أو الطائفة أو الدين أو الجنس. ❷ وانقسام آخر أفقي حيث يتمايز الناس حسب الهوية التي يختارونها مثل انتماء الفرد إلى حرفة أو حزب أو جمعية ؛ بمعنى انتماء ثقافي، وبالتالي فإن العلاقات في المجتمع تعكس هذين النوعين من الانقسام على شكل علاقة عمودية وعلاقة أخرى أفقية. لاحظ علماء الاجتماع ميل المجتمعات التقليدية للاحتفاظ بالنوع الأول من الانقسام "العمودي"، بينما المجتمعات الصناعية الميل فيها إلى الانقسام الآخر الأفقي؛ حيث التلاقي على مستوى الأفكار والمصالح، حسب تقسيم دوركايم لأنواع التضامن، فالتضامن العضوي يسود حين يكون الناس متشابهين بينما التضامن الآلي يكون حيث الناس مختلفون، بمعنى يحتاجون لبعضهم البعض في المجتمعات التي فيها تقسيم للعمل. فيما يتعلق بمجتمعنا القطري لاحظت أن هناك انقساماً عشوائياً أدى إلى تشوه نمط العلاقات الاجتماعية خلال العقود الأخيرة. هناك ملاحظة أود لو أشير إليها وهي أنه في معظم دول الخليج جاء المجتمع تمظهراً لإرادة الدولة وليست الدولة تمظهراً لإرادة المجتمع، كما هو في معظم دول العالم بمعنى؛ أن الدولة سبقت المجتمع وبالتالي عملت على صياغته، وهنا الفرق بين المجتمع والتجمع؛ المجتمع يحيل إلى الإرادة أي القدرة على امتلاك الإرادة وتحقق ذلك، في حين أن التجمع لم تتبلور إرادته بعد. وهذا كله بالطبع يأتي مروراً بظروف كل مجتمع التاريخية، وكانت العلاقة العمودية علاقة حاجة وفي أقل تجلياتها ليس كما حصل فيما بعد حين تحولت إلى علاقة ريعية. نلاحظ مثلاً: إن العلاقة داخل المجتمع القطري خلال فترة الستينيات السابقة من القرن الماضي علاقة أفقيه إلى حد كبير تحكمها طبيعة الفرجان المتكونة من فسيفساء جميلة من جميع القبائل والعوائل، والتضامن فيها عضوي حيث التشابه الكبير بين المجتمع وفترة الاستقرار الطويلة أوجدت نوعاً من الرضا وكذلك قدراً كبيراً من أصالة الوجود، وبالتالي أقل مستوى من مستويات التمظهر الاجتماعي الكاذب. في بداية السبعينيات ومع الاستقلال وظهور أثر العلم بعد عودة البعثات الدراسية واستلام كثير من الشباب القطري لزمام العديد من الأجهزة الحكومية والوزارات السيادية ظهرت طبقة وسطى حكومية "كبار الموظفين "، فحصل نوع من التغير داخل العلاقات الاجتماعية نتيجة لوجود هذه الطبقة التي ارتبطت في داخلها بعلاقة نخبوية حيث أصبحت هناك نوادٍ واستراحات خاصة بها، وكذلك حافظت في الوقت نفسه على العلاقة الأفقية بالمجتمع، كما استمر المجتمع كذلك في علاقة أفقية ومسافة اجتماعية معقولة حفظت له طمأنينته واتزانه. بعد ذلك اتبعت الدولة سياسة تسكين تمشياً مع زيادة عدد السكان، انطلاقاً من مرجعيات المجتمع الأولى ولم يكن هناك وعي كافٍ بما قد تسفر عنه من بتر للهوية السردية القائمة أصلاً في المجتمع وهي إقامة الأحياء والفرجان على أساس قبلي وعائلي، وكذلك إزالة مناطق وفرجان تاريخية فيها نمط من التعايش المشترك، وبذلك قضت على الفسيفساء التي كانت قائمة أيام الستينيات وأوائل السبعينيات فأصبح لكل عائلة أو قبيلة فريج. تأثرت العلاقات بلاشك بفعل الانعزال شيئاً ما، وأصبح هناك آخر داخل وضمن أبناء الفريج الواحد الذي كان في السابق. أثر ذلك أيضاً في اعتقادي على نمط الهوية كما ذكرت، حيث كانت الهوية في الفرجان السابقة كما ذكرت هوية سردية بمعنى أنها كانت تحكي قصة الفريج أو أبناء الفريج كلهم أو قصة قطر كوطن، أصبحت مع فرجان ومناطق العائلات والقبائل تحكي قصة العائلة أو القبيلة في وعي أبناء الفريج. (يتبع) [email protected]