13 ديسمبر 2025
تسجيلحسب تقرير حديث لاتحاد إذاعات الدول العربية، فإن عدد القنوات الفضائية التي تبث في السماء العربية قد بلغ 1300 قناة (منها 165 قناة تابعة لـ 29 هيئة من القطاع العام و1129 قناة تابعة لهيئات من القطاع الخاص). وكانت القنوات المنوعة الجامعة على رأس القائمة، حيث بلغت 323 قناة، تلتها القنوات الربحية بمجموع 248 قناة. ولقد حاول العديد من الدول تطوير قنواتها التلفزيونية، كي تتماشى مع النهوج الجديدة للإعلام العابر للقارات، بعد الدخول في عصر الأقمار الصناعية، لكنها لم تحقق النجاح المأمول، وذلك لاعتبارات عديدة منها: 1- الرسمية والصرامة التي تحيط بتلك القنوات، والرتابة التاريخية، والخوف من المجازفة، حتى لا يغضب المسؤولون.2- فقدان الرؤية Vision الواضحة لدى القائمين على الاتصال في تلك القنوات، كونهم بعيدين عن القرار السياسي وغير مؤهلين مهنياً للعمل أو التخطيط التلفزيوني.3- محدودية الصرف على بعض هذه القنوات الرسمية، مقارنة بما يُصرف على الفضائيات الخاصة، والتي نجحت في استقطاب الجماهير بصورة واضحة.4- فقدان روح الإبداع في أغلب المحطات الرسمية، نظراً لاعتماد أغلب الموظفين على مقولة (الراتب سيأتي آخر الشهر سواء عملنا أم لم نعمل) وبذلك تبقى القوالب الجامدة للبرامج، ويبقى القرار بيد الصدفة أو قرار مسؤول كبير.5- فقدان المهنية – في بعض الحالات – وظهور مذيعين ومعدين لم يتمرسوا في الفن التلفزيوني، ولم يخبروا فضاءات هذا الفن!؟ وبالتالي كثرت التجارب و “ الهنات” وضاعت المحطات وسط الكم الهائل من الفضائيات المهنية.6- إغلاق بعض الأقسام المهمة، بهدف التوفير، في بعض المحطات، مثل: قسم الدراما، قسم النصوص، وغيرها من الأقسام التي تغذي مراقبة البرامج بالجديد من الأفكار.سألني صديق.. إذا أردت أن أفتح قناة تلفزيونية فضائية، فبماذا تنصحني؟! نظرت في عينيه باسماً متأسياً، وقلت: رغم أنك تأخرت كثيراً، إلا أن مجالاً كهذا يكون فيه الجانب البرامجي Software أهم من الجانب التقني Hardware ؛ لأنك قد تشتري الأجهزة، وبسهولة قد تحجز قناة على الأقمار الصناعية، لكن الصعوبة في الحصول على الأفكار التي تجذب المشاهدين، خصوصاً وأن وسط بحر عاتٍ من المنافسة من فضائيات تمكنت من السماء العربية. كما أنك ستكون مُحاصراً بالأسئلة والمحاذير المتعلقة بخصوصية منطقة الخليج ومحافظتها، الأمر الذي يجعلك لا تقترب من برامج الإثارة، أو تتجاوز الخطوط الحمراء التي تُسيّج السياسية. ولقد اقترحت عليه الآتي: 1- يجب أن تحدد هدفك من القناة! ومن هُم المشاهدون الذين تستهدفهم.2- لا بد أن تكون لديك رؤية تُعممها على فريق العمل، لأن التخطيط دون رؤية سوف يجعلك تحصل على “ مسخ “ لقناة تلفزيونية لن يُقبل عليها أحد.3- يجب أن تُعد طاقم العمل جيداً قبل إطلاق القناة، والإعداد يجب ألا يتدخل فيه من لا علاقة لهم بالشأن التلفزيوني، من حيث إظهار وجوه لا تصلح للشاشة، ذلك أن القرار الإداري كثيراً ما هدم القرار البرامجي.4- أن تكون لديك لجنة برامجية من الأكاديميين والمهنيين من ذوي الخبرة في مجال البرمجة التلفزيونية، وهذه اللجنة هي (المطبخ) الذي تطبخ فيه الأفكار والبرامج، ويغذي بها التلفزيون.5- أن تكون لديك لجنة مراقبة البرامج التي تبث على الهواء، ترصد الأخطاء وتحاسب المعدين والمذيعين والمخرجين، كي لا تفلت القناة بانفلات معديها ومذيعيها ومخرجيها.6- وإذا كنت تتحدث عن قناة عامة – غير متخصصة – فالمشكلة تكون أعقد، لأنك تخاطب كل شرائح الجمهور، وبالتالي يجب أن توضع خريطة البرامج بشكل يتلاءم وساعات المشاهدة حسب أعمار المشاهدين، وهذا يستلزم عمل بحث استبياني لمعرفة أوقات ساعات المشاهدة.7- أن تكون لديك (ثيمة) محددة تحمل (لوغو) المحطة، لترسيخها في ذهن المشاهد، ويؤكد ذلك الوقفات البصرية التي تتخلل البرامج.8- أن تكون نشرات الأخبار والبرامج بشكل يتضامن مع الرؤية والثيمة، ليس في الديكور فقط ؛ بل في مضامين النشرة وطريقة صياغة الأخبار. إن الطريقة التقليدية قد تجاوزها الزمن، كما أن الالتزام ببث الوكالة المحلية (التي تبث أخبار لكل وسائل الإعلام) قد لا يتلاءم مع خصوصية التلفزيون، ولقد طالبنا منذ أكثر من 25 عاماً بهذا التغيّر، لكن ظروف الإدارة لم تكن تسمح بذلك. واليوم تتسابق المحطات على ما طرحنا في ذاك التاريخ من حيث شكل ومضمون نشرات الأخبار.9- ماهو الجديد الذي ستقدمه المحطة في ظل هذا الكم الهائل من المحطات؟ إن محطة عامة جامعة تحتاج إلى ساعات من البرامج، ومن العبث أن يتم حشر القناة بمسلسلات بعيدة عن روح المجتمع أو برامج مُشتراه قد أُنتجت منذ أكثر من عشرين عاماً؟! كما شاهدنا في بعض المحطات! مع ملاحظة أن الخيارات موجودة لدى المشاهد، ولديه (الريموت كنترول) الذي يساعده في التجوال بين المحطات.10- المفهوم العام – في العالم العربي للمحطة التلفزيونية أنها للتوجيه السياسي ولخلق رأي عام – مفهوم غير دقيق، لأن التلفزيون – منذ دخوله السوق عام 1948 في الولايات المتحدة، بظهور شبكات التلفزيون المعروفة: NBC وCBS، كان أداة ترفيه في المقام الأول، لذلك يجب أن تحتوي القناة على مواد ترفيهية جديدة وغير مستهلكة.11- ولأن للمنطقة خصوصية، فلابد من الالتفات لمادة التراث والتاريخ وخلق توازن بينها وبين المعاصرة، التي تروّج للسياسة والإعلام التنموي وبرامج البنى التحتية والتوجيهية. إن تقديم مادة التراث بالشكل التقليدي لم يعد يُجدي نفعاً، ولا بد من قوالب جديدة، تأخذ في الاعتبار بصرية التلفزيون ولقطاته المتحركة. ولقد لاحظنا اتجاها إيجابياً في هذا المنحى في قناة الريان القطرية.12- أن تكون هنالك اعتمادات مالية لشراء حقوق بعض المناسبات المهمة وكذلك البرامج، التي يتم تعريبها، حيث إن مثل هذه البرامج تدرُّ على المحطة الكثير من الإعلانات.13- أن يُحسن اختيار العاملين في المحطة، ويتم تجاوز الواسطات والتوصيات، كي يكون جميع العاملين من المهنيين الذين لن يشكلوا “بطالة” في المستقبل. (كنا في الماضي نحتاج إلى مصور ومذيع ومساعد فني لتصوير مقابلة خارجية، أما اليوم فلقد لاحظت وجود 12 موظفاً وفنياً من أجل مقابلة من ربع ساعة)!؟ وهذا ما عنيناه بالبطالة.14- أن تكون هنالك متابعة يومية لقراء نشرات الأخبار، بقصد إرشادهم إلى الأخطاء التي وقعوا فيها، ولكي يتعلم المذيعون ويثرون تجبرتهم من تصحيح أخطائهم.15- بلا شك سيكون هنالك إعداد تجهيزي تقني للمحطة، وحجوزات لقناة أو أكثر عبر الأقمار الصناعية، وكذلك توفير صيانة للمحطة وتردداتها، مع الحصول على الترخيص المطلوب من الجهة المعنية.تلك كانت مجموعة من المقترحات وضعتها للأخ السائل، علهُ يستطيع أن يُنشئ محطة تلفزيونية ناجحة، ولا تضيع أمواله وجهوده في الهواء!؟