20 سبتمبر 2025
تسجيلالحديث عن سوريا ربما غدا مملاً سماعه لغير السوريين، كون الحدث لا يحمل جديداً على صعيد تغير الخريطة الجغرافية بين اللاعبين الكبار والصغار على الأرض، فقد اتسمت مناطق سيطرة القوى المتصارعة بالثبات والاستقرار، مع حالة توتر مستمرة ومتواصلة على خطوط التماس، إذ إن القوى المسيطرة تظل تفتقر لمزيد من الأرض من أجل إشباع احتياجات سكانها، أو إشباع احتياجاتها العسكرية. لكن حين نتحدث عن عام 2024 ربما ننطلق من ثلاثة أحداث وقعت في العام المنصرم ستُلقي بتداعياتها المهمة، وربما الجذرية على صورة عام 2024، وعلى رأس هذه الأحداث، انتفاضة السويداء المستمرة منذ شهر مايو/ أيار، والحدث الثاني هو رفع وتيرة النظام لتصدير الكبتاغون عبر الأردن الذي سعى للتطبيع معه، مما سيضر بعلاقاته الخارجية، أما الحدث الثالث فهو داخلي والذي تميّز بالعمل النوعي في قصف الكلية الحربية، وتمدد هيئة تحرير الشام صوب مناطق درع الفرات وغصن الزيتون الخاضعة للسيطرة التركية. حين العودة إلى المبادرة الأردنية التي رمت إلى المصالحة مع النظام السوري من خلال بوابة الجامعة العربية، وتُوجت بمشاركة رأس النظام بشار الأسد في قمة الجامعة بالرياض، ولكن سريعاً ما تكشف للأردن صاحب المبادرة عن إصرار النظام السوري على مواصلة سياسته في تصدير المخدرات، والتي تضاعفت خلال الفترة الماضية مع العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث أضاف إلى تهريبه المخدرات تهريب الأسلحة، والتي كان من بينها أسلحة تشكل خطراً حقيقياً على الأمن الأردني مثل قذائف مضادة للدروع من الأربي جي ونحوها، وهو الأمر الذي جعل مسؤولين أردنيين سابقين ونخبويين يدعون إلى إقامة منطقة عازلة بين الأردن والنظام السوري تصل إلى الثلاثين كيلو متراً لتجنب سياسة النظام في استخدام الأردن كمحطة ترانزيت للمخدرات وربما الأسلحة المتجهة إلى الخليج وتحديداً السعودية، وقد أعلن وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي صاحب المبادرة الأردنية للتطبيع مع النظام بأن شحن المخدرات من مناطق النظام باتجاه الأردن قد زاد وتضاعف بعد المبادرة. ومما زاد من التهديدات القادمة من سوريا على الأردن انتفاضة السويداء التي انطلقت في مايو/أيار الماضي وهو الأمر الذي يترتب على الأردن الاستعداد للتعامل مع مفاعليها، لاسيما وهي المتواصلة منذ أشهر، مما يعني أن المنتفضين مصرون على تحقيق مصالحهم بإسقاط النظام السوري، خصوصاً وأن جهود المصالحة فشلت في التقريب بينهما، أضف إلى ذلك أن المنتفضين من الأقلية الدرزية، مما يجعل استهدافهم بالطائرات والقصف متعذراً بخلاف ما يتعامل به النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون في قصف مناطق الشمال السوري السنية. استمرار الانتفاضة وتطوراتها قد يؤدي إلى الوصل بينها وبين مناطق التنف التي تديرها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتعرض لضربات إيرانية بشكل شبه روتيني، بهدف بعيد المدى وهو إخراج الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا، والاستفراد بها مع حليفها الروسي ودميتها النظام السوري، وفي حال حصول عملية الوصل هذه، فإنه سيُشكل تهديداً للنظام وحلفائه، وربما دفعاً لقوى وشرائح أخرى للتمرد على النظام، لكن ما افتقرت إليه انتفاضة السويداء هو عملية تواصلها مع قوى الثورة السورية، وتحديداً في الشمال السوري المحرر، على الرغم من إمكانية أن تلعب القرى الدرزية في إدلب دوراً في هذا التقارب، وهو الأمر الذي سيشكل بالتأكيد ضربة للنظام، وينزع عنه شرعيته في حماية الأقليات في سوريا. أما الحدث الثالث الأبرز فهو ما تعرّضت له الكلية الحربية في حمص في 5 اكتوبر/ تشرين أول من العام المنصرم، حين استهدفت طائرة مسيرة خلال حفل تخريج للضباط في الكلية، مما أدى إلى مقتل أكثر من مائة شخص من الضباط وأقاربهم الذين أتوا للمشاركة في الحفل، وجرح حوالي 277 ضابطاً ومدنياً أيضاً من أقارب الخريجين، وقد ألقى النظام السوري وروسيا وإيران باللائمة على الفصائل الثورية المقيمة في إدلب، التي التزمت الصمت بدورها، وهو ما دفع النظام وحلفاءه إلى شن هجوم صاروخي وجوي مركز لأيام على المنطقة استمر لعدة أيام، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، والظاهر أن العملية فتحت الأعين على قدرات ليست سهلة وصلت إليها القوى الثورية في الشمال السوري المحرر، بحيث تنطلق مسيرات على بعد أكثر من 160 كم لتضرب أهدافاً بهذه الدقة، مما قد يشكل تغيراً كبيراً في المعادلة. تزامن هذا كله مع التمدد الذي حرصت عليه هيئة تحرير الشام صوب مناطق السيطرة التركية، إذ لوحظ خلال الفترة الماضية تقارب معظم الفصائل الثورية المقيمة في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية مع هيئة تحرير الشام، باستثناء جيش الإسلام وهو الأمر الذي سيجعل المناطق المحررة كلها تحت سيطرة مباشرة للهيئة، ويجعلها على تماس مباشر مع قوات قسد الكردية، مما قد يضعها أمام تحديات بالمقابل، ويبدو أن الحوكمة التي تدار بها مناطق إدلب شكلت رافعة مهمة، وسط الحاضنة الشعبية في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية للهيئة ولنموذج إدلب، بالإضافة إلى مواصلة الهيئة عبر الديبلوماسية الناعمة الترويج لمشروعها إن كان من خلال المعارض التي تقيمها في المنطقة، أو من خلال استقبالها للوفود الأجنبية ممثلة بمنظمات أممية، كان منها وفود من الصحة العالمية، وبرنامج الغذاء العالمي وآخرين، وحتى استقبال غير مرة خلال العام الماضي السفير الأمريكي في دمشق سابقاً روبرت فورد، الذي اطلع على التجربة في الشمال السوري المحرر، مما يتناقض مع التصنيف الأمريكي لجبهة النصرة، وهو الاسم القديم لهيئة تحرير الشام على أنها منظمة إرهابية. أمريكا التي تحرص عادة على تجديد عملية تصنيفاتها للمنظمات الإرهابية مع كل عام، نجدها قد غابت عنها إدلب والهيئة خلال السنوات الماضية، فضلاً عن توقف قصف مقرات الهيئة أو الجبهة لسنوات، بالإضافة إلى حرص مسؤوليها السابقين كفورد، والمنظمات الأممية، وحتى مراكز الدراسات الأمريكية، والصحفيين الغربيين على زيارة المنطقة بشكل مستمر دون أي عائق، وهو الأمر الذي يعطي انطباعاً بأن أمريكا ليست على عداء مع أنموذج إدلب. مستقبل سوريا عام 2024 مرتبط بشكل كبير في اللاعبين الكبار، الذين يتقاسمون الأرض السورية.