11 سبتمبر 2025

تسجيل

«على خديده سال الدمع»

02 يناير 2022

قد يكون عنوان المقال غريبا بعض الشيء لمواليد الألفية الثالثة، والذين أكاد أجزم بأنهم لن يفهموا القصد من هذه العبارة، كما أعتقد كذلك أنهم قد يقرؤونها أو يلفظونها بطريقة خاطئة، ولكنه ليس كذلك بالنسبة «لشيبان الستينات حتى منتصف الثمانينات» أي جيل تلك الحقبة، فهي جملة فنية مشهورة من التراث الشعبي ومعناها كما هو واضح ذرف الدمع لأمر ما قد يكون حزنًا أو فرحًا، وهذه العبارة قد تستخدم بقصد السخرية أو الإغاظة أو «رفع ضغط» شخص أو مجموعة منافسة إذا لم يحالفهم الحظ في أمر ما كنوع من أنواع التنمر أو الشماتة، فمثلا يمكن ان تستخدم لإغاظة جمهور الفريق المنافس عند اقتراب انتهاء المباراة وفريقهم «مغلوب»، فيبدأ جمهور الفريق الفائز بالغناء شماتةً بجمهور الفريق الخصم كناية عن أنهم سوف تنهمر دموعهم ويبكون من مرارة الهزيمة، وأذكر أنه في الدوري السعودي مثلا كان جماهير أحد الأندية في مدينة جدة يغني عند دخول هدف على الفريق الخصم وصمت جماهير الفريق المنافس عن الغناء والتشجيع من أثر الصدمة، فيقولون لهم «ايش بكم كدا انكتمتم كتمت الفول المدمس» أي لماذا صمتم عن التشجيع في إشارة لبداية خسارتهم للمباراة، مجرد مناوشات بريئة بين جماهير الأندية. ويستطيع من اعتراه الفضول لمعرفة كيف تردد أو تغنى جملة «على خديده سال الدمع» ان يشاهد بداية مسرحية «من سبق لبق» لأسطورة الكوميديا الخليجية الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا رحمه الله. والتنمر أمر ذميم ومرفوض بشكل عام في كل الدساتير الأخلاقية والقيمية، ولكنني سوف اتناول اليوم نوعا من أنواعه وهو ما يسمى باللهجة المحلية «الاستلام»، فيقال «فلان استلم علان» أي قام بالسخرية منه والتهكم عليه أو كما يسميها إخواننا المصريون «التريقة» مع قلب القاف إلى همزة. و»الاستلام» الذي سوف أتحدث عنه هنا هو الذي يقصد به «الغشمرة» أي المزاح لإيصال فكرة معينة كنوع من النقد الساخر وليس التنمر أو السخرية بقصد الإيذاء النفسي والعياذ بالله. فمثلا عندما تتذمر مجموعة من المواطنين على أداء أعضاء مجلس نيابي معين في دولة ما من دول العالم البالغة 195 دولة، ويكون هؤلاء المواطنون هم من أوصلوهم لهذا المجلس بأصواتهم فيقوم الطرف الاخر من المواطنين الذي لم يصوتوا أو يختاروا من وصلوا إلى كرسي المجلس «باستلامهم» فيقولون لهم مثلا «خبزن خبزتيه يا الرفله اكليه» أي انكم تأكلون من ما صنعته ايديكم، أو أن يقولوا لهم «على خديده سال الدمع» إشارة منهم انه لا جدوى من البكاء على اللبن المسكوب والتحسر والندم، أو أن يقولوا لهم «يا من شرى له من حلاله عله» إشارة الى انكم انتم السبب في وجودهم فعليكم لوم أنفسكم وإعادة حساباتكم، فهم يحاولون بأسلوب «الاستلام» هذا ان يشعروهم بأنهم لم يختاروا الأفضل والاكفأ وإنما انجرفوا وراء الشعارات الرنانة والوعود المضللة أو المصالح الشخصية، فكأنهم يقولون لهم هاهم من انتخبتوهم يتمرغون في الامتيازات التي جلبتها لهم كراسيهم النيابية، ونسوا ما قطعوه على أنفسهم من وعود لتمثيل من أوصلوهم الى المجلس خير تمثيل والمساهمة في حل مشاكل المجتمع وتحقيق أحلامه وتطلعاته، ولكنهم عوضا عن ذلك (والكلام لا زال على لسان المجموعة الثانية من المواطنين) يشكلون اللجان تلو اللجان ويبحثون ويناقشون ويحللون ويقيمون ثم بعد ذلك يشكلون لجانا أخرى منبثقة من اللجان الرئيسية للبحث والمناقشة ولازال المواطن ينتظر بفارغ الصبر إنجازات مجلسه النيابي الجديد. وختاما أقول، لا أعتقد أنه يختلف اثنان بأن الدعابة والمزاح هما نوع من أنواع التنفيس عن الروح والنفس للتخفيف من الضغوطات المعيشية والنفسية سواء في محيط العمل أو الأسرة أو الحياة الاجتماعية التي يتعرض لها أي إنسان في حياته اليومية بروتينها المتكرر والرتيب، كما أنها نوع من أنواع النقد للذات او لنظم اجتماعية ما كأسلوب للتعبير الحر بشكل ساخر أو فكاهي، ولكن في نفس الوقت يجب ان يكون هناك توازن بين الغاية من النقد الساخر والوسيلة المستخدمة للوصول الى الغايات، فهناك من يتقبل النقد بكل رحابة صدر بل ويشجع عليه لأنه يرى انه وسيلة ممتازة لمعرفة رأي الآخرين في أدائه ومدى نجاح مساعيه وجهوده حتى يواصل العطاء، بينما هناك من يتحسس ولا يتقبل أي نوع من أنواع النقد ليس لأنه متكبر على الآخرين أو أنه يرى نفسه فوق مستوى النقد والمساءلة وإنما لأنه بكل بساطة يتحسس من الحق. @drAliAlnaimi