14 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا نُريد من العام الجديد؟

02 يناير 2019

أطَلَّ علينا بالأمس عامُ 2019، ونحن ما زلنا نتأمل ونتفاكر في أمور حياتنا، والأحداث المحيطة بنا، متمسكين بالأمل أن يكون العام الجديد أفضلَ من سابقه، وأن تتحقق فيه الأمنيات الصغيرة والكبيرة، الخاصة والعامة، لما فيه خير البشرية، ونماء الإنسان، وإعمار الكون. ولكن معطيات العام المنصرم، لا تسمح لنا بالإغراق في التفاؤل بأن يكون عام 2019 مختلفًا عن سابقه، ذلك أن آثار أحداث العام الماضي ما زالت مستمرة، ولها تداعياتها على العام الجديد. وفيما يلي بعض المحطات التي تحتاج إلى وقفة تأمّل أو تفَكّر من أجل تشريح واقع اليوم، وبالتالي استنتاج موقف أو فكرة علّها تداوي حالات التشاؤم التي بدت في عام 2018: المحطة الأولى.. حماية البشرية من الشرور ونوازع الكراهية.. ودعوة الدول التي تنتج الأسلحة بكافه أنواعها، أن تكفَّ عن سباق التسلح، وتوفير الأموال لمداواة جروح البشرية، والقضاء على ما يُنغّص حياةَ الناس من أمراض وكوارثَ طبيعية وأنظمةٍ ديكتاتورية. ولعلنا نستحضر هنا الرعبَ الذي أثارهُ نظامُ كوريا الشمالية، بإطلاق صواريخ بعيدة المدى، وتهديد جيرانه في شرق العالم، تمامًا كما حصل في بعض الدول الإفريقية من تنازعات واختلافات حول الحُكم، ولعل آخرها ما حصل في السودان. المحطة الثانية فشل الثورات العربية.. وهو أمر غير مألوف في حياة الشعوب وثوراتها. إذ لم تجنِ الشعوب ثمارَ « ربيعها» في كلٍّ من تونس، مصر، ليبيا، اليمن، سوريا، وصار الترحُم على الأنظمة الديكتاتورية من أدبيات الشعوب في تلك البلدان. تماماً كما حصل في العراق، والذي بشّرت به الولايات المتحدة كنموذج ديمقراطي في الشرق الأوسط، ويبدو أن الحسابات الأمريكية كانت غير دقيقة، إذ عاشَ هذا البلد اثنى عشر عاماً، دونما أن يقترب من الحلم الديمقراطي، بقَدر ما تفتّت هذا البلد، وبرزت فيه العصبياتُ والانتماءاتُ التي كسرت العراق. أما سوريا، والتي ما زال النظام فيها قائمًا، ويبدو أنه سوف يستعيد قوتَه، بعد ظهور اتجاه دولي لبقائه، لخدمة أهداف إقليمية، لعل أهمها حماية إسرائيل، رغم هجرة الملايين من السوريين إلى المنافي أو العراء، فإن هذا البلد أيضًا تدمّر إلى درجة يصعُب فيها التكهنُ بالفترات التي يحتاجها كي يكون بلدًا صالحًا للسكنى، خصوصًا في ظل تواجد عدة قوات متنافسة على التراب السوري، في الوقت الذي هجر السوريون ترابهم بحثًا عن أمن ورغيف وكرامة. المحطة الثالثة.. تلاشت آمال الخليجيين في التوصل إلى حلٍّ لما تم التعارفُ عليه « الأزمة الخليجية»، وهو حصار ثلاث دول خليجية مع مصر لدولة قطر، من الخامس من يونيو 2017، وحتى اليوم. وكانت قمة الرياض الأخيرة، قد تجاهلت الحصار، وخرجت ببيان « واهن» لم يقدِّم ولم يُؤخر في قضية التلاحم الخليجي، أو المصير المشترك، أو الوحدة الخليجية. دولة قطر حَزمت أمرها مع شعبها، ووضعت مجلس التعاون خلف ظهرها، داعمةً بذلك حقوقها السيادية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بعد أن وضعت خططاً لمرحلة ما بعد مجلس التعاون، والتسامي فوق جراح الأخوة، مع تركيز على تشكيل إنسان قطري، لما بعد مرحلة الحصار، تكتمل فيه عناصرُ المُعاصرة، والتعاطي مع معطيات العصر بعقلانية، بعيدًا عن العواطف، وثقافة « حب الخشوم» التي ما عادت تصلح للعصر. ولكن ما يحزّ في النفس، هو تلك الحرب الإلكترونية البشعة التي طالت العائلات والرموز الخليجية، وكيف أن السياسة تدخّلت في عواطف الناس، بحيث ظهرت لغةٌ غريبة عن ثقافة الأسرة الخليجية، لأول مرة في التاريخ، تجاوزت كلَّ الأعراف والتاريخ والدماء المشتركة. وساد جوٌّ من الكراهية ونبذ الآخر، بين أشقاء الأمس وأبناء العمومة والخؤولة، وكم كان بودنا لو تمّ حصرُ القضية في نطاقها السياسي، دون النزول إلى لغة الشارع، والتي تحتاج إلى وقت طويل لِملمةِ جراحاتها. بالطبع، ظهر إعلامٌ رسمي غريب، خلال الأزمة، لم تشهده المنطقة، ألغى عقولَ الناس، وتمّ استئجار أقلام صحفية، وأفواهٍ تلفزيونية، مارست الكذبَ والتزويرَ وقلبَ الحقائق، في دول الحصار، في الوقت الذي تجاهل هذا الإعلام حقيقةَ الأوضاع في اليمن، ودخولَ قوات أجنبية أراضي هذا البلد وجزرها، دون أن تكون هنالك تغطية حقيقية أو مهنية لاعتداءات على بلد شقيق. جاءت ( عاصفة الحزم) من أجل نُصرة الإنسان أو إغاثته من ظلم سوف يقع عليه، إلا أنها « حزمت» حريةَ الإنسان اليمني، وقطّعت أوصاله، وأذاقتهُ مرارات الجيران وعدوانهم غير المُبرر، وهو جورٌ تفنن بعضُ العرب في ممارسته ضد الأشقاء، في الوقت الذي تمتد الأيادي نحو العدو الغريب الذي يحتل الاراضي العربية، ويُهدد المقدسات، ويمارس العسف ضد الشعب الفلسطيني. المحطة الرابعة.. تراجع مستوى معيشة الإنسان العربي، وانخفاض مستوى دخول الناس، وهذا ما سبّب مواجهاتٍ بين الشعوب والحكومات، في ظل غياب الحريات، وتجاهل المشاركة الشعبية، وحتى في الدول العربية التي طالها (الربيع العربي)، فإن الأوضاع ليست بأفضل من تلك الدول التي لم يصلها ذاك الربيع، و(كل ما جاءت أمةٌ لعنت أختَها)، وهذا يدعونا إلى التفكير والتساؤل: هل لا يصلح للعرب إلا الديكتاتورية أو الثقافة البوليسية؟ ولماذا لم ينجح أيُّ مشروع ديمقراطي حتى اليوم على امتداد العالم العربي؟ هل ( الجينات) العربية ولّدَت « حُبَّ الاستعباد» لدى الإنسان العربي، وهل نستثني الحُكام من هذه المقولة ؟ بصراحة، كلما مَرّ دهرٌ على العرب، وجدنا أنفسَنا في تراجعٍ مؤسساتي وتنفيذي وتمويلي، اللهم في بعض الدول التي حباها الله بقيادات رشيدة، استطاعت تحويل مجرى التاريخ العربي، وأدركت حتمية الحفاط على مقدرات الشعوب، والتعامل معها تعاملاً حضاريًا، وهذا استثناء واضح في العالم العربي. وللأسف، تظهر الغيرة والحسد - من بعض الأشقاء - على هذه الظاهرة الصحيّة في تعامل الحكومات مع الشعوب. المحطة الخامسة.. طفرة تكنولوجية مع تراجع الأداء الإعلامي.. ذلك أن (الفضائية) أصبحت أحدَ أذرع الدول العربية، وقد تأتي في بعض الظروف، في مكانة أهم من الدبابة، إلا أن سوء استخدام هذه الفضائيات، وتكريسها لـ « تَصنيم» الأنظمة، والحطِّ من قدْر الأنظمة المناوئة لها، قد طغى على أداء هذه الفضائيات، والتي لا يلتفت أغلبها إلى عقلية المتلقي، وحقِّه الشرعي في الوصول إلى المعلومة، مهما ارتفعت جدران الرقابة. فلقد شاهدنا فضائيات عربية كرّست أداءها لتمجيد الرئيس، وإظهارهِ على أنه «المسيح المُنقذ» للشعوب المقهورة منذ خمسة وثلاثين عامًا، لتكتشف هذه الشعوب، أن هذا الرئيس، ليس بيده ( مفتاح العريش)! ومنها مَن لعبَ على رهانات خاسرة، ووصلت رواتب بعض مذيعي الكذب والهرطة إلى مئات الملايين، حيث تم « تخدير» المشاهدين، عبر فبركات، كان الدولار حاضرًا فيها. كما تم السكوت عن أحداث محلية، كفتح السجون، وإلقاء القبض على دعاة حرية الرأي، وعلماء دين، كانوا بالأمس من أقوى المساندين للأنظمة، مع أنهم لم يتجاوزوا الخط الأحمر، كما تم توقف نساء دونما محاكمات، وتم الاعتداء عليهن من قِبل زبانية النظام، في هذا البلد أو ذاك، ولم تتحرك الفضائيات في تلك البلدان، ولم تقترب من الممارسات التي تُرتكب في سجون ليست بعيدة عنها. لذا، فالعرب، ولنقل أغلبهم، لم يُحسنوا استخدام التكنولوجيا لدعم حرية التعبير، وتأكيد حقِّ المواطن في الوصول إلى الحقيقة، بل على العكس من ذلك، مارست معظمُ الفضائيات خروجًا وجورًا على الحقيقة، وأطلقت التلفيقات والأكاذيب، وتجاهلت ما يدور حولها في الجوار. المحطة السادسة.. لقد ساهمت الانقسامات في الصف العربي، وحادثةُ مقتل الصحفي السعودي (جمال خاشقجي) في قنصلية بلاده في اسطنبول، في ظهور جيش من المفكرين العرب، الذين كنا « نشدّ بهم الظهر»، نظرًا لطروحاتهم الجريئة، ولكن (خاشقجي) ميتًا كشفَ زيفَهم، فظهر علينا هؤلاء « المفكرون»، وهم يُلصقون تهمة مقتل (خاشقجي) بقطر، وذلك قبل صدور الحكم من الجهات القضائية في السعودية، والذي أكد أن المغدور قد أغتيل في قنصلية بلاده، على يد فرقة الموت التي وصلت من الرياض، وعلى علاقة بهذا، وجدنا بعض « المفكرين» من دولة الكويت الشقيقة، للأسف، يكذبون جهاراً، ويغمزون من قناة قطر، بل ويُبررون مقتلَ (خاشقجي)، دونما خجل أو وجل. بل شاهدنا بعضهم في صور تجمعهم مع وزير الإعلام في السعودية، ضمن فريق الإعلام المُخصص للهجوم على دولة قطر، وبينهم اثنان من « مفكري» الكويت!؟ عام مزعج ومثير، ذاك هو عام 2018، فهل سيكون عام 2019 بردًا وسلامًا على نيران العرب، و» دَواحسهم» و « بَسوسهم»، بحيث تنتهي الآلام التي عانت منها الشعوب أكثر من هؤلاء الذين يحكمون بالنار، وأياديهم في الماء البارد؟