12 سبتمبر 2025

تسجيل

ملامح السنة الاقتصادية الجديدة

02 يناير 2014

توحي ملامح السنة الجديدة رغم تشابك الاقتصاد العالمي وضبابية المشهد ظهور ملامح الاستقرار في النصف الأول من هذه السنة فتزايد الضغوط على بعض الاقتصادات وتجليات الانتعاش لدى البعض الآخر أمور تجعل الجزم أو التكهن بحقيقة ما يجري أبعد حقيقة من التصور وما يهمنا في هذا المقال هو قراءة الصورة الأولية لمعرفة مدى أبعاد ذلك الاستقرار هشاشته استمراريته مدى دوران عجلة الاقتصاد العالمية المطبات التي تواجهها ملامح اقتصاد ما بعد الأزمة العالمية المجموعات الدولية أو التكتلات الاقتصادية الجديدة إن صح التعبير التي أفرزتها الأزمة العالمية هل هو كلي أم أجزئ هل هو تحول من الغرب الذي استحوذ على الكعكة الاقتصادية العالمية منذ عدة عقود إلى الشرق الذي بدأت معالم الرفاهية ترتسم نموه وهي قراءة تستوجب منا أولا أن نقسم المجموعة الدولية إلى أقسام ثلاثة مجموعة تمتلك القسط الأوفر من رأس المال العالمي من حيث الصناعات الثقيلة وجودة المنتجات وهي مصدر الأزمة ومنها انطلقت الشرارة الأولى وهي المصدر الأول لباقي اقتصادات العالم أما المجموعة الثانية والمعروفة باسم الاقتصادات الناشئة التي استطاعت أن تجذب الجزء الأوفر من رأس المال العالمي بحكم توفر اليد العاملة والبنى التحتية الكفيلة بنهوض الصناعة والتجارة وتوفر السيولة وربما تكن الأزمة العالمية بادرة خير بالنسبة لها ومجموعة ثالثة لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك تنتعش بانتعاش الاقتصاد العالمي وتتضرر بتضرره اقتصاداتها هشة ورغبتها في التمويل بلا حدود ولو انطلقنا من المجموعة الأولى لوجدنا أن ما يجري حقيقة هو أن الاقتصاد الأمريكي والأوربي اللذين يرتبطان إلى حد كبير ويتشابكان في كثير من النقاط الجوهرية تبدو مسألة الانتعاش من عدمه مربوطة بقدر التشابك الذي يربط المؤسسات المالية والاقتصادية لدى القطبين بمعنى أن الاقتصاد الأمريكي (مصدر الأزمة) الذي يشكل ربع الاقتصاد العالمي ورأس الحربة فيه بتأثره بدت علامات الإعياء جلية على الاقتصاد الأوروبي وبتجاوز الأزمة حدود الاقتصاد الأمريكي كان أول من دخل مرحلة الركود هو الاقتصاد الأوروبي وبالتالي فكل المراقبين مجمعون على أن مصدر الأزمة ومصدرها هو الولايات المتحدة وبإقرار منها وعليه فإن إصابة اقتصادها إصابة من الدرجة الأولى وإصابة الاقتصاد الأوربي إصابة من الدرجة الثانية وعليه فنهوض الاقتصاد الأوربي لا يعني بالضرورة تعافي الاقتصاد الأمريكي والعكس ليس بصحيح فالاقتصادات الأوربية رغم أن الأزمة ضربت نفس المؤسسات الشبيهة بالمؤسسات التي ضربت في الاقتصاد الأمريكي إلا أن الإصابة مختلفة تماما فتأثر المؤسسات الأمريكية مرجعه هو انتهاك حرمة القواعد الأساسية والتساهل مع الانتهاكات وتراكم الأمراض الاقتصادية المزمنة من جهة وزيادة العجز في الموازنة وتراكم الديون من جهة ثانية حيث وصل العجز في ميزانية الولايات المتحدة تراجعا ملفتا خلال العام 2013 إذ بلغ أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية عام 2008 حيث تراجع بنسبة 37,5% إلى 680,3 مليار دولار ليتدنى لأول مرة منذ وهذا المجهود المالي الذي يسجل على خلفية مأزق سياسي وخطة تقشف قسرية في الولايات المتحدة، غير مسبوق منذ 45 عاما وهو يتخطى توقعات البيت الأبيض التي كانت تراهن على عجز بنسبة 6,0%. فضلا عن ضخامة الديون الرسمية والفردية فالحكومة الفدرالية تنفق حوالي (400) مليار دولار سنوياً زيادة عمّا تجبيه من عائدات، وهو الأمر الذي أدى إلى تراكم الدين الفيدرالي ليصبح وحده فقط حتى العام 2007 حوالي 9 تريليونات دولار مقارنة مع 8,3 تريليون دولار في 2006 وقد وصل خلال السنة المنصرمة إلى أزيد من 16 تريليونا وعليه فإن الثغرات التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي تتفق من حيث الشكل مع ثغرات الاقتصاد الأوروبي ولكن عمقها يختلف كليا عن ثغرات الاقتصاد الأوروبي من حيث تجذر الإصابة وعمق الشروخ مقارنة مع الاقتصاد الأوروبي ومن هنا فإن الحوافز المالية التي تم ضخها في الاقتصاد العالمي وسياسات التقشف التي انتهجتها الحكومات إبان الأزمة العالمية بغية الحد من تداعياتها أعانت الاقتصاد بشكل كلي ومع ذلك فالتباطؤ تارة والاستقرار تارة أخرى سيرافق الاقتصاد الأمريكي بينما ستنهض الاقتصادات الأوروبية بشكل متفاوت حسب عدم تشابكها بالاقتصاد الأمريكي ومدى قدرتها على زيادة النمو ولو بسرعات متفاوتة ولعل من بين الشواهد على ذلك هو ارتفاع معدلات البطالة ففي الوقت الذي وصل فيه معدل البطالة في الولايات المتحدة 9.8% خلال أغسطس الماضي، بارتفاع نسبته 3.6% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق وصل معدل البطالة في منطقة اليورو 9.6% وبارتفاع نسبته 0.1% مقارنة بيوليو الماضي، وبنسبة 2% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي وهو ما مفاده أن النسبة في الأولى تتزايد بينما تتناقص في الثانية على عكس المجموعة الثانية التي شهدت تباطؤا بفعل هزات الأزمة المالية ولكنها لم تلبث كثيرا حتى عادت وتيرة النمو لما كانت عليه فبالنظر إلى الاقتصاد الصيني كمثال على المجموعة الثانية والذي تأثر جراء الأزمة وتباطأت وتيرة النمو من حدود 10% قبل الأزمة إلى 7% ذروة الأزمة ثم عادة وتيرة النمو لتصل إلى 8.9% في الربع الثالث من 2009 وبنسبة 7.9% فقد وصل خلال العام 2013 ما نسبته 7.6 % وهو ما يزيد قليلاً عن المستوى الذي تستهدفه الحكومة البالغ 7.5 %، فحتى وإن كان منخفضا بشكل طفيف عن المستوى المسجل في 2009، الذي بلغ 7.9 % ولكنه مع ذلك يحافظ على تعويض التباطؤ . ونفس الشيء بالنسبة للاقتصادات الآسيوية التي استطاعت أن تحقق نموا اقتصاديا شهد زيادة كبيرة عن المعدل الذي تم تسجيله في نفس الفترة من العام الماضي، وبلغت نسبته 6.4% ولعل المتأمل جيدا يرى ويدرك أن المجموعة الأولى ممثلة في اقتصاد الولايات المتحدة والاقتصادات المتشابكة معها ستبقى في وضعية شبه مستقرة خلال النصف الأول من العام الجديد فيما سيعرف باقي اقتصادات المجموعة الأولى نموا متباطئا بينما ستحافظ المجموعة الثانية على نموها طيلة العام الجديد أما المجموعة الثالثة (الاقتصادات المتذبذبة أوغير المصنفة) فبحكم محاولتها الاعتماد على مواردها ستشهد الاستقرار .