11 سبتمبر 2025

تسجيل

العراق بين نظارة نوري السعيد البيضاء ونظارة المالكي السوداء

02 يناير 2014

ما نراه يحدث بالعراق في وقتنا الراهن يجعلنا نعقد مقارنة سريعة بين النوريين، نوري السعيد ونوري المالكي.. فنوري السعيد رأى مستقبل العراق مشرقا من خلال نظارته البيضاء،أما المالكي فأدخل بلاده في ظلام من خلال نظارته السوداء والتي يرى بها كل ما في العراق قاتما. فنوري السعيد الذي نتحدث عنه هو أبرز السياسيين العراقيين أثناء العهد الملكي والذي تولى منصب رئاسة الوزراء في العراق 14 مرة بدءا من وزارة مارس 1930 إلى وزارة الأول من مايو 1958.. كان جل هم السعيد هو الحفاظ على أمن المواطن العراقي ووحدة بلاده التي كان حالها أفضل بكثير من العراق اليوم. أعتقد أن الشعب العراقي لما له من رصيد عظيم من الوطنية يملك مقومات تغيير حاضره إلى الأفضل، والشعب العراقي صاحب قراره حقيقة، وأعتقد أنه من كثرة ما تعرض له من محن وآلام، فليس أمامه سوى الأمل وأن يرفع صوته ضد كل ما يلاحقه يوميا حتى يشعر العالم بمعاناته على يد حكامه. وأحسب أن الشعب العراقي على بينة بما يحيق به من شرور، وأن بعض سياسييه لا يحبون التغيير من أجل مصالحهم. ولكن المؤكد أن بالعراق الآن الكثير من نوري السعيد بنظارته البيضاء التي يرى بلاده عبرها مشرقة ومستقبلها مزدهرا.. رجال مخلصون ووطنيون لا يهمهم أي شيء سوى مصلحة العراق والشعب العراقي. والعراق أيضا مليء بنوري المالكي بنظارته السوداء المتشائمة التي لا ترى سوى أسود، وهؤلاء لن يقدموا لبلدهم سوى المحن والظلم والتخلف والارتماء في حضن الأجنبي وتأجيج الطائفية والمذهبية ونبذ الديمقراطية وإشعال الفتن وإقحام العراق في المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإقليمية بهدف الحفاظ على الكرسي فقط وليس غيره. وللأسف.. لا يعترف المالكيون بأخطائهم رغم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة ومن حكم العقلاء، وهؤلاء يستغلون الديمقراطية لتنفيذ مآربهم السياسية فقط ثم ينقلبون عليها طالما استفادوا من عباءتها ثم يظلمون المواطن والشعب والبلد كلها، غير عابئين بالمواطن الذي أحضرهم إلى الحكم، ولكن على كل هؤلاء أن يعلموا أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة. وأعتقد أن الشعب العراقي هو الأكثر دراية بمتطلباته في الوقت الراهن، وعليه الحفاظ على مكتسباته وأهمها الديمقراطية التي انقض عليها المالكيون، وتطويرها لينعم بها كل الشعب.. ولا داعي لترديد ما يزعمه أعوان المالكي بأن بعض الدول المجاورة ونقصد الخليجية منها، تستهدف تدمير الديمقراطية العراقية.. أي ديمقراطية يتحدثون عنها؟! ومن المؤسف أن نسمع أن بعض العراقيين ينسون أفضال الخليج الذي أسهم بعوائده في دعم جيش صدام ضد الجحافل الإيرانية ونجا العراق بلدا وشعبا من الزحف الفارسي.. وبأي حق يتحدث هؤلاء أو ما هي مصادرهم في الحديث عن مؤامرة خليجية للانقضاض على الديمقراطية العراقية؟ وعلى أي أساس يرصدون تلك المؤامرة المزعومة تكلفة تصل لنحو (250) مليار دولار لتدمير الديمقراطية العراقية!!. أعتقد أنه لو كان نوري السعيد بين ظهرانينا الآن لرد بنفسه على مثل هذه الخزعبلات التي تصدر من قلة داخل العراق للأسف الشديد، فنوري السعيد كان مثالا لرجل الدولة الذي يعرف قدر بلاده وجيرانها وكان يحترم الجميع واحترمه الآخرون، بعكس آخرين يعبثون بالسلطة والبلد من أجل بلاد أخرى. ونقل عن نوري السعيد ذات يوم قوله : "العراق عبارة عن بالوعة وأنا أجلس على غطاء فوهتها، فإذا تنحيت عنها انتشرت رائحتها الكريهة".. ومع غرابة التشبه والحالة، فإن الوضع قد يكون صحيحا في وقتنا الراهن، فالعراق يقترب من تشبيه السعيد ولكن القائمين على الحكم هناك لا يستطيعون إحكام غطاء الفوهة وبذلك تنتشر المشكلات السياسية والاقتصادية وآخرها أزمة منطقة الأنبار التي تنبئ بربيع عربي جديد في العراق. وإذا كان أهل الحكم يريدون حقا مستقبلا أفضل لبلدهم، فأمامهم الديمقراطية التي تحل كافة المشكلات، فهي السبيل للقضاء على الطائفية سواء الدينية أو السياسية بشرط عدم حشر الدين في الشؤون السياسية. ويعلم القاصي والداني أن العراق في عهد نوري المالكي دخل في متاهات سياسية عديدة بسبب عدم وجود البوصلة الحقيقية التي تقود البلاد إلى بر الأمان، فالمالكي أدخل بلاده في أتون أزمات متعددة ومتلاحقة، ويرفض الحوار مع الآخر وصولا إلى حل للأزمات، وهو لا يأبه أصلا بمسألة تقسيم العراق. وأصبحت المراوحة هي سيدة الموقف في العراق، ونقصد هنا المراوحة التي تعني التخلف. الوضع السياسي في العراق اليوم يدعو للسخرية، فكل رجال المالكي يتحدثون عن الإنجازات في معرض تعليقاتهم عن الأوضاع الحالية، وهم يعتقدون بالخطأ أن التجربة الديمقراطية في العراق هي تجربة فريدة من نوعها وعلى العالم استنساخها. وهم للأسف لا يرون أصل المشكلة وهي أن شيعة العراق يتمسكون بالسلطة على حساب بناء دولة العراق القوية الديمقراطية حتى لو كان الثمن هو تدمير البلاد وتحويلها إلى أرض قاحلة. أما لو كان نوري السعيد هو الذي على رأس السلطة الآن، لوضع مصلحة العراق وشعبه في المقدمة وليس في نهاية المطاف. فالمالكي يريد فض المظاهرات الرافضة لسياساته الظالمة بالقوة لإشعال الحرب الأهلية في العراق، فهو يهدد بتدخل الجيش لقمع المظاهرات، وهذا يؤكد تعطشه للدم خاصة دماء السنة.. فهو لا ينسى تاريخه عندما كان موظفا في دائرة التشييع السياسي والأيديولوجي قبل غزو العراق، ودخل قصر الرئاسة على ظهر دبابة أمريكية، فهو صنيعة الأمريكيين الذين أعدوه للسلطة وفقا لعملية سياسية – عسكرية مشتركة. والخوف كل الخوف أن يستمر المالكي في الحكم، فكل يوم يقضيه في السلطة يعني مئات القتلى من شعبه. ثم يدعي نوري المالكي بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي أن التوترات الطائفية في المنطقة ألقت بظلالها على بلاده، داعيا القوى السياسية إلى رفض التدخل الخارجي وحل المشاكل الداخلية. ثم يدعي أن التنافس الإقليمي والاستقطاب الموجود في المنطقة وما يحيط بالعراق من توتر طائفي أخذ يلقي بظلاله الثقيلة على العراق. وتناسى المالكي أن حكمه هو الذي كرس الاستقطاب وأصبح تركة ثقيلة بالعراق. ومع ذلك نراه يطالب بعزل العراق عما سماها بالتيارات التكفيرية التي تعصف بالمنطقة!! والداهي، أن المالكي يجرم الاستقواء بأي طرف إقليمي لتقوية طرف عراقي داخلي، لأن هذا يعد عملا خطيرا، يفتح أبواب الشر على العراقيين، في حين أن المالكي نفسه كرس سياسة الاستقواء بإيران والخارج لدعم حكمه وتقوية أواصره مقابل إضعاف بقية مكونات الشعب العراقي. ولا يسعنا هنا سوى السخرية من قول المالكي :" الدول لا تبحث عن مصالحنا ولا تبحث عن مصالح تلك القومية أو المذهب بقدر ما تبحث عن مصالحها وهي مستعدة لدعم أي جماعة تضع نفسها في هذا السياق".. ثم يعود ويدعو دول الجوار والأصدقاء للتعامل مع العراق وفق سياقين : الأول احترام الشأن الداخلي وعدم دس الأنف فيه، والثاني الابتعاد عن إشاعة جو الإرهاب لأنه عمل ارتدادي سيصيب بلدانهم. قد يتناسى المالكي أن سياساته هي التي إشاعة الفوضى والفساد والضغينة والكراهية بين العراقيين، وبالتالي، لا لوم على الآخرين أو الجيران اللهم إذا كان هؤلاء الجيران من أهل فارس الذين يدسون أنوفهم في شؤون كل الدول المجاورة. ولهذا، ليس من حق المالكي أن يصف الوضع الحالي في بلاده بأنه يمر بمنعطف خطير لأنه هو نفسه مسؤول عن هذه الأجواء، وليس من حقه اتهام أي طرف سوى إيران بإشاعة الفوضى في بلاده. الغريب أن المالكي ما إن رأى حجم المظاهرات بأم عينيه، إلا وحاول الانبطاح قليلا ليؤكد على أن جميع المشاكل يمكن حلها بالحوار الأخوي والانفتاح.. فهو الذي قال :" لا مطلب يصعب تحقيقه ولا خلاف يتعذر حله".. ولكنه للأسف، يعود لسياسة اللف والدوران ليرمي على غيره بالتهمة :" لكن إذا بقينا نتطلع إلى خارج الحدود ونراهن على هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، لن نجلب لبلدنا سوى الدمار والمآسي، وليكن عبرة ما يحدث حولنا". نعم.. فالمالكي يتفنن في سياسة الاستفزاز، عبر شخصيته الإقصائية، فهو محنك في هذا، واستطاع إقصاء كل المعارضين له حتى ممن كانوا أقرب الناس إليه في الماضي لمجرد أن نصحوه بالتحاور مع الآخر وخصومه السياسيين.. وأخيرا وليس آخرا، فالعراقيون اليوم بحاجة لمراجعة تاريخهم وقراءة أيام بلادهم إبان عهد نوري السعيد لمعرفة الفارق.